التفريغ النصي - شرح العقيدة الطحاوية [52] - للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

مصداقاً لقوله تعالى في سورة المطففين الآية (14): (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ). الرين: أسوداد القلب. إن من أخطر الذنوب وأشدها عذاباً أن يحتقر الإنسان ذنباً عمله دون أن يبالي بعواقبه في الدنيا والآخرة. فرب ذنب يراه الإنسان صغيراً يكون سبباً في حرمانه من نعمة أو أصابته بنقمة. مصداقاً لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه). (أخرجه النسآئي عن ثوبان – رضي الله عنه). وقال عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه: إني لأحسب الرجل ينسى العلم كما تعلمه بالخطيئة يعملها ، هذا في الدنيا. أما في الآخرة فالعذاب أشد وأبقى. فرب ذنب يعده الناس من الصغائر يُدخل به فاعله النار مع الفساق والفجار. مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم: (دخلت امرأة النار من جراء هرة لها ربطتها ، فلا هي أطعمتها ، ولا هي أرسلتها ترمرم من خشاش الأرض حتى ماتت هزلاً). (رواه مسلم في صحيحه) قال أنس بن مالك – رضي الله عنه: (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر ، كنا نعدها على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الموبقات (المهلكات). إياكم ومحقرات الذنوب. (رواه البخاري وغيره) وكما قالوا: لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن أنظر من عصيت.

إياكم ومحقرات الذنوب!

8- احتقارُ الذنوبِ واستصغارُها سببٌ للوقوعِ في الكبائرِ والتَّهلُكَةِ. 9- الذنوبً يدلُّ بعضُها على بعضٍ. 10 الذنوبُ الصغار تكبر مع الإصرار. 11- احتقارُ الذنوبِ يعوقُ عن التوبة ِ. 12- رُبَّ ذنبٍ يظنُّه الإنسانُ صغيرًا ويدخلُ به نارَ جهنَّمَ. ونتكلم إن شاء الله عن هذه الأمور في مقال آخر، والحمد لله رب العالمين.

إياك إياك والمحقرات

أمورٌ تعين على ترك المعصية هنالك الكثير من الأمور التي إذا ما عقلها المسلم كانت سبباً مُعيناً له على ترك المعاصي والآثام واستقباحها، فمن الأمور المُعينة على ترك المعاصي ما يأتي: الحياء من الله تعالى؛ فإذا استشعر المسلم أنّ الله تعالى يراه وهو ملازمٌ له طوال وقته؛ فإنّه يستحيي من تصرّفه ولا يحبّ أن يرى الله تعالى منه إلا خيراً، فيكون ذلك سبباً في ترك المعصية والابتعاد عنها. مراعاة نعم الله تعالى واستشعارها، واستشعار فضل الله تعالى عليه، فإنّ المسلم إذا أدرك حاله المتقلّب بالنّعم ليل نهار؛ فإنّه سيفضّل اجتناب المعاصي؛ لأنّها سببٌ في حرمانه من هذه النّعم، فالله تعالى جعل الشّكر مفتاح لحفظ النّعم، وكفرانها وكثرة جحودها سببٌ لزوالها. إياك إياك والمحقرات. الخوف الله تعالى وعقابه؛ فإذا لم يكن الحياء محرّكاً للنّفس لترك شهواتها فإنّه قد يردعها عن الإثم، الخوف من العقاب والعذاب؛ ولذك كان العلماء أعلى النّاس درجاتٍ عند الله تعالى؛ لأنّهم عرفوه فخافوا عذابه جلّ وعلا. محبّة الله تعالى؛ وهي من أعظم الأمور الجالبة لطاعته والابتعاد عن نواهيه؛ فإنّ المؤمن الحقّ محبٌّ لربّه -عزّ وجلّ- وراغبٌ في طاعته ورضوانه، منتهٍ عن أيّ إثمٍ قد يوصله إلى سخط ربّه تعالى.

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: " وَمِنْ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ: أَنَّهَا تُزِيلُ النِّعَمَ، وَتُحِلُّ النِّقَمَ، فَمَا زَالَتْ عَنِ الْعَبْدِ نِعْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا حَلَّتْ بِهِ نِقْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: مَا نَزَلْ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ "(الداء والدواء:74)، قال الله -تعالى-: ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى:30]. اللهم إنَّا ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنَّك أنت الغفور الرحيم. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.