الدرر السنية

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد: فكنا مع حديث النبي عليه الصلاة والسلام أنه يقول عند دخول الخلاء: ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) وتكلمنا حول الحديث، وأهمية هذا الدعاء، والآن لنستكمل ما يتعلق بالاستعاذة ومعناها والأحاديث التي فيها صيغ الاستعاذة عند دخول الخلاء. الفرق بين الاستعاذة واللياذة قال ابن كثير عليه رحمات ربنا الجليل في أول تفسيره عند تفسير الاستعاذة: الاستعاذة تكون لدفع الضر، بخلاف اللياذة فتكون لجلب نفع، فالاستعاذة لدفع مضرة، واللياذة لجلب منفعة، فإذا أردت أن تطلب منفعةً من غيرك تقول له: لذت بك، وألوذ بك، وإذا أردت أن تطلب دفع مضرة تقول: أعوذ بك وأستعين بك، فهنا نحن نطلب دفع مضرة، وهو أننا نريد تحصين أنفسنا من عدونا، ثم نريد بعد ذلك إخراج هذه الفضلات التي هي في بطوننا، فالذي يناسب الاستعاذة لا اللياذة، فاللياذة لجلب منفعة، والعياذة لدفع مضرة، قال ابن كثير: وهذا كما قال المتنبي: يا من ألوذ به فيما أؤمله! ومن أعوذ به مما أحاذره! لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ولا يهيضون عظماً أنت جابره يهيضون بمعنى يكسرون. والشاهد هنا: يا من ألوذ به فيما أؤمله!

شرح حديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخَلاء قال: ((اللهم إني أَعُوذ بك من الخُبُثِ والخَبَائِث)). ...

نعم -كما قلت- لفظ الخبيث معناه في الأصل وفي اللغة كما قال علماء اللغة في كتبهم: الخبيث هو ما يكره رداءةً وخساسةً، مكروهٌ لرداءته وخسته، قال أئمتنا: وسيشمل الاعتقاد الباطل، ويشمل الكذب في المقال، ويشمل القبيح في الأفعال، لكن المراد هنا خبيثٌ معين، وهو شيطانٌ وشيطانة، ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)، من ذكران الشياطين وإناثهم. لذلك في الروايات الأخرى التي مرت معنا في سنن ابن ماجه وغيره: ( اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم)، فإذاً مما يبين على أننا نستعيذ بالله هنا من صنفٍ من أصناف الخبيثين، لا من خبثٍ في المقال، ولا من خبثٍ في الأفعال، إنما من خبثٍ من هذه الذوات الخبيثة وهم الشياطين ذكوراً وإناثاً، أما لفظ الخبيث يطلق على شيءٍ مكروه فيه -كما قلت- في الأقوال والأفعال وفي الاعتقاد وفي كل شيء.

وقوله: (اللهم) بمعنى: يا الله، لكن جاء في اللغة حذف ياء النداء والتعويض عنها بميم بعد الله، فكلمة (اللهم) هي (يا الله) حذفت ياء النداء وجاء بدلها الميم المشددة، ولا يجمع بين ياء النداء وبين الميم؛ لأنه لا يجمع بين العوض والمعوض، فلا يقال: يا اللهم وإنما يقال: يا الله أو اللهم. ولهذا يقول ابن مالك رحمه الله في الألفية: والأكثر اللهم بالتعويض وشذ يا اللهم في قريض قوله: (والأكثر) يعني: في الاستعمال (اللهم بالتعويض) يعني: استعمال الميم عوضاً عن (يا). وقوله: (وشذ يا اللهم في قريض) يعني: في الشعر. فاللهم هي نداء حذفت (يا) التي قبل لفظ الجلالة وعوضت عنها الميم المشددة بعد لفظ الجلالة. وقوله: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) ، الخبث: جمع خبيث، والخبائث: جمع خبيثة، والمقصود بذلك: التعوذ بالله من شياطين الجن الذكران والإناث؛ لأن (الخبث) ترجع للذكور، و (الخبائث) ترجع للإناث. فالاستعاذة بالله عز وجل عند دخول الخلاء تكون بهذا اللفظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [قال: عن حماد: (قال: اللهم إني أعوذ بك وقال عبد الوارث قال: أعوذ بالله من الخبث والخبائث)]. يعني: الإسناد فيه شخصان في درجة واحدة: حماد بن زيد وعبد الوارث بن سعيد ولكنهما اختلفا في العبارة في رواية متن الحديث، فالذي جاء من طريق حماد بن زيد قال: (اللهم إني أعوذ بك) ، أي: فيه لفظ: (اللهم) وفيه: (بك) أما عبد الوارث فبلفظ: (أعوذ بالله من الخبث والخبائث) ، وليس فيه (اللهم) وفيه (بالله).

التفريغ النصي - شرح الترمذي - باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء [7] - للشيخ عبد الرحيم الطحان

ففي جانب الأمل وطلب المنفعة ذكر الفعل: ألوذ، وبالمقابل: ويا من أعوذ به مما أحاذره! معنى الاستعاذة الواردة من الشيطان قال أئمتنا: حقيقة الاستعاذة الهروب من شيءٍ تخافه إلى من يعصمك منه، ولا يجوز للإنسان أن يستعيذ من الشيطان إلا بذي الجلال والإكرام سبحانه وتعالى، فلا يجوز أن تتحصن من الشيطان إلا بالله، بأسمائه، بصفاته سبحانه وتعالى؛ لأنه لا يقدر على دفع هذا الضر عنك إلا الله جل وعلا، ولا يجوز للإنسان أن يستعيذ بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا، فتقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أي: أحتمي بالله، وألتجئ إلى الله، أعتصم بالله، وأتحصن بالله من الشيطان الرجيم. لفظ رواية الصحيحين بل الكتب الستة: ( أعوذ بالله من الخبث والخبائث).

رواه البخاري ومسلم ولو أغلق الإنسان باب الحمام لا يرى كوابيس تفزعه ولا أحلاما.

لهذا السبب يفضل ترك باب الحمام مفتوحاً بعد الاستحمام

نكتفي بهذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

نطاق البحث جميع الأحاديث الأحاديث المرفوعة الأحاديث القدسية آثار الصحابة شروح الأحاديث درجة الحديث أحاديث حكم المحدثون عليها بالصحة، ونحو ذلك أحاديث حكم المحدثون على أسانيدها بالصحة، ونحو ذلك أحاديث حكم المحدثون عليها بالضعف، ونحو ذلك أحاديث حكم المحدثون على أسانيدها بالضعف، ونحو ذلك المحدث الكتاب الراوي: تثبيت خيارات البحث