واذكر ربك اذا نسيت سبحان الله

الثاني: إن هذه الجملة واذكر ربك إذا نسيت لا تعلق لها بما قبلها، وأن المعنى: إذا وقع منك النسيان لشيء فاذكر ربك، لأن النسيان من الشيطان، كما قال عز وجل عن فتى موسى: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره... وعلى هذا القول يكون المراد بالذكر التسبيح والاستغفار لكن الرأي الأول هو الأرجح وهو رأي جمهور العلماء. ثم ختم سبحانه الآية الكريمة بقوله: وقل عسى أن يهدين رب لأقرب من هذا رشدا أي قدم أيها الرسول الكريم مشيئة ربك عند إرادة فعل شيء، وات بها إذا نسيت ذلك عند التذكر، وقل عسى أن يوفقني ربي ويهديني ويدلني على شيء أقرب في الهداية والإرشاد من هذا الذي قصصته عليكم من أمر أصحاب الكهف.

  1. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الكهف - الآية 24

القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الكهف - الآية 24

وليس المقصود من الآية الكريمة كما أكد العلماء نهي الإنسان عن التفكير في أمر مستقبله، وإنما المقصود نهيه عن الجزم بما سيقع في المستقبل، لأن ما سيقع علمه عند الله تعالى وحده. والعاقل من الناس هو الذي يباشر الأسباب التي شرعها الله تعالى، سواء أكانت هذه الأسباب تتعلق بالماضي أم بالحاضر أم بالمستقبل، ثم يقرن كل ذلك بمشيئة الله تعالى وإرادته، فلا يقول: سأفعل غداً كذا وكذا لأنني أعددت العدة لذلك، وإنما يقول سأفعل غدا كذا وكذا إذا شاء الله تعالى ذلك وأراد، وأن يوقن بأن إرادة الله فوق إرادته وتدبيره سبحانه فوق كل تدبير. واذكر ربك إذا نسيت وقوله: واذكر ربك إذا نسيت تأكيد لما قبله. أي: اذكر ربك سبحانه إذا نسيت تعليق القول بالمشيئة. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الكهف - الآية 24. أي عند تذكرك بأنك لم تقرن قولك بمشيئة الله، فات بها. وللعلماء في تفسير قوله تعالى: واذكر ربك إذا نسيت قولان: الأول: أن هذه الجملة مرتبطة ومتعلقة بما قبلها والمعنى: إنك إن قلت سأفعل غدا كذا ونسيت أن تقول إن شاء الله، ثم تذكرت بعد ذلك فقل: إن شاء الله، أي: اذكر ربك معلقا على مشيئته ما تقول إنك ستفعله غدا إذا تذكرت بعد النسيان. وهذا القول هو الظاهر لأنه يدل عليه ما قبله وهو قوله تعالى: ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله.

وقوله: ( وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) يقول عز ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل ولعل الله أن يهديني فيسدّدني لأسدَّ مما وعدتكم وأخبرتكم أنه سيكون، إن هو شاء. وقد قيل: إن ذلك مما أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يقوله إذا نسي الاستثناء في كلامه، الذي هو عنده في أمر مستقبل مع قوله: إن شاء الله، إذا ذكر. *ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن محمد، رجل من أهل الكوفة، كان يفسر القرآن، وكان يجلس إليه يحيى بن عباد، قال: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا قال فقال: وإذا نسي الإنسان أن يقول: إن شاء الله، قال: فتوبته من ذلك، أو كفارة ذلك أن يقول: ( عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا). ------------------------- الهوامش: (3) قوله "يرى: ذهب الكسائي هذا " هكذا جاءت هذه العبارة في الجزء الخامس عشر من النسخة المخطوطة رقم 100 الورقة 411 والعبارة غامضة ، ولعل فيها تحريفا.