كم لله من لطف خفي محمد عبده

فلعل لطفَ الله الخفيّ يتسع لكم في كل يُسر وعُسر، كما وسعني بكم اليوم. اليومَ أنا هنا أكتبُ، كما كنتُ قبلا، وَلَكن بنفس جديدة -وإن كانت كالميتة- وفكر مختلف عمّا سلف. تساقط أُناس وتساقطت معهم أفكاري بعدد ما تساقط مني من قطراتِ دماء. انقلب فكري رأسا على عقب فأصبحت لا أعرفه ولا أعرفني! الآن أعجب كثيرا من نفسي حينما كنت أردد أننا جميعا في حاجة إلى وقفة مع النفس لإعادة ضبطها وتهذيبها من حين لآخر. ولكنّي في أغلب الأحيان كنتُ أختار تلك الوقفة وموعدها بكامل إرادتي. وَلَكِنْ أن تجد نفسك قد سقطت فيها -فجأة- دون تخطيط ليتغير-رُغما عنك- ما لا تراه يحتاج إلى تغيير أو تهذيب في رأيك. يتوقف عقلك فترة عن العمل وكأن أحدهم قد أساء المزاح معك فصبّ دلوا من الماء البارد فوق رأسك وأنت نائم في فراشك الدافئ في ليلة باردة من ليالي يناير! كم لله من لطف خفي بهاء سلطان. دعوني أعترفُ لكم أنني لم أستفق بعد من دلو الماء البارد ذاك، مازال عقلي متوقفا، راكدة خلاياه، كبركةِ ماء وسط غابة موحشة مدهامة، لا يمس سطحَها ريح ولا يُبخر ماءها شعاع شمس واحد. تتساقط عليها أوراق جفت كتساقط الأفكار في رأسي، تداعبُ ماءها قليلا ثم لا تلبث أن تستسلم لركودها فتسكن هي الأخرى.

كم لله من لطف خفي بهاء سلطان

دعوني أعترف أيضا أنني أكتبُ هذه المرة، بعد توقف طويل، علنّي أتجاوز، كما كنت أفعلُ بالكتابة دوما بعد أن أعجز أن أتجاوز تلقائيا. دعوني أعترفُ أيضا أنني أبالغُ في كل ما كتبته، فإذا كنتُ هنا الآن، أكتبُ، أتكلمُ، أستمرُ في الذهاب إلى جامعتي كل يوم وأحادثُ أصدقائي كما كنتُ من قبل. إذا، أنا بخيرٍ، بخيرٍ تماما. فدُمتم بخيرٍ أيضا.

كم لله من لطف خفي محمد عبده

؟ ما قدر الله شيء إلا وهو خير " عَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا " فالخير الكثير قد يكون في معرفة قيمة الشيء وتقديرك لوجوده فيما بعد فلا تأخذه بسذاجة كما كان من قبل، فبعض البشر تُقدر وتستشعر النعمة عندما تفقد..! والخير الكثير قد يكون في تربية وترسيخ لمحاور إيمانية هامة بقلبك ووصل علاقتك بالله لتُقيمك في الدنيا ما حييت ولعلها إمداد بقوة حتى تستطيع مواجهه ما تبقى لك في الحياة بثبات ووضوح. والخير الكثير قد يكون في أذاقتك بعض الألم لتدركه عن قرب ليستخدمك الله لشفاء الجروح وجبر الكسور وسد الثغور وما أعظمها من نعمة. والخير الكثير قد يكون.. ، ويكون.. ولكنك لا تستطيع قراءته وأنت في منتصف أمواج البحر ترطم بك يميناً ويساراً فلا منك ترى نهايته ولا منك ترى الشط..! فالحزن يأكل صاحبه يا رفيق فلا تطل فيه فيبتلعك ولا تهمله فيتراكم بداخلك ويطاردك في كل وقت وحين.. كم لله من لطف خفي محمد عبده. ولن تستطيع مواجهته ألا بعقيدة راسخة ويقين تغرسه في قلبك تذكر به نفسك دائماً وابداً أن ما يؤلمك الآن ويزعج مرقدك لو كان خيراً لك لبقى ولتمتع به وكان معك الآن ولو كان قُدّر لك فيه لحظة أخرى لكنت عشتها والأهم من ذلك أنه هو الخير والأصلح والأفضل لك ولحياتك فلعل اللحظات التي تتألم فيها الآن تشكر الله عنها يوماً ما.

..... و كـمْ للهِ مـن لُطف ٍ خفيْ _____________ _____________ يَدِقّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِيِّ وَكَمْ يُسْرٍ أَتَى مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ _____________ _____________ فَفَرَّجَ كُرْبَـة َ القَلْـبِ الشَّجِيِّ وكم أمـرٍ تُـسـاءُ بـه صبَـاحـاً _____________ _____________ وَتَأْتِيْـكَ المَـسَـرَّة ُ بالعَشِيِّ إذا ضاقت بك الأحوال يومـاً _____________ _____________ فَـ ثِـقْ بـ الواحِدِ الفَرْدِ العَلِيِّ وَلاَ تَجْزَعْ إذا ما نـابَ خَـطْـبٌ _____________ _____________ فـَ كـمْ للهِ مـن لُطف ٍ خفي... لـِ / علي بن أبي طالب " رضي الله عنه "