كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل

فأقول: نسأل الله  أن يرزقنا وإياكم القناعة والرضا والرزق الحلال، وألا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب قول النبي ﷺ: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ، (8/ 89)، برقم: (6416). أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب الأخذ باليدين، (8/ 59)، برقم: (6265)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، (1/ 302)، برقم: (402). أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال، (8/ 92)، برقم: (6436)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا، (2/ 725)، برقم: (1048).
  1. شرح حديث: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
  2. 166 من حديث: (كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل)

شرح حديث: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل

لقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنكبيّ عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ؛ ليسترعي بذلك انتباهه ، ويجمع إليه فكره ، ويشعره بأهمية ما سيقوله له ، فانسابت تلك الكلمات إلى روحه مباشرة: ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). وانظر كيف شبّه النبي صلى الله عليه وسلم مُقام المؤمنين في الدنيا بحال الغريب ؛ فإنك لا تجد في الغريب ركونا إلى الأرض التي حل فيها أو أُنسا بأهلها ، ولكنه مستوحش من مقامه ، دائم القلق ، لم يشغل نفسه بدنيا الناس ، بل اكتفى منها بالشيء اليسير. لقد بيّن الحديث غربة المؤمن في هذه الدنيا ، والتي تقتضي منه التمسّك بالدين ، ولزوم الاستقامة على منهج الله ، حتى وإن فسد الناس ، أو حادوا عن الطريق ؛ فصاحب الاستقامة له هدف يصبو إليه ، وسالك الطريق لا يوهنه عن مواصلة المسير تخاذل الناس ، أو إيثارهم للدعة والراحة ، وهذه هي حقيقة الغربة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ( بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء) رواه مسلم. وإذا كان المسلم سالكاً لطريق الاستقامة ، حرص على قلّة مخالطة من كان قليل الورع ، ضعيف الديانة ، فيسلم بذلك من مساويء الأخلاق الناشئة عن مجالسة بعض الناس كالحسد والغيبة ، وسوء الظن بالآخرين ، وغير ذلك مما جاء النهي عنه ، والتحذير منه.

166 من حديث: (كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل)

◙ قال الفشني رحمه الله: هذا الحديث حديث عظيم، جامع لأنواع الخير، وفيه الابتداء بالنصيحة والإرشاد لمن يطلب ذلك، وتحريضه صلى الله عليه وسلم على إيصال الخير لأمته، فإن هذا الكلام لا يخص ابنَ عمر وحده [5]. ◙ قال الطوفي رحمه الله: وهذا الحديث أصل في الفراغ عن الدنيا، والزهد فيها، والرغبة عنها، والاحتقار لها، والقناعة فيها بالبلغة [6]. غريب الحديث: ◙ أخذ: أمسك. ◙ بمنكبي: هو مجمع العضد والكتف. ◙ عابر: يقال: عابر سبيل أي مسافر. ◙ سبيل: طريق. شرح الحديث: ((أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي)) يعني أمسك بهما؛ لأجل أن يسترعي انتباهه ليحفظ ما يقول، ((فقال)) له النبي صلى الله عليه وسلم: ((كن في الدنيا))؛ أي: في مدة إقامتك بها، ((كأنك غريبٌ))؛ أي: مشبهًا به؛ بألا تركن إليها وتطمئن فيها، قال ابن هبيرة رحمه الله: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حضَّ على التشبُّه بالغريب؛ لأن الغريب إذا دخل بلدة لم ينافس أهلها في مجالسهم، ولا يجزع أن يُرَى على خلاف عادته في الملبوس، ولا يكون متدابرًا معهم [7]. ((أو عابر سبيل))؛ أي: همُّه قطع المسافة إلى مقصده، لا ينفُذُ في سفره إلا بقوته وتخفيفه من الأثقال، غير متشبثٍ بما يمنعه عن قطع سفره، معه زاده وراحلته يبلغانه إلى ما يعنيه من مقصده، وفي هذا إشارة إلى إيثار الزهد في الدنيا، وأخذ البلغة منها، والكَفاف، فكما لا يحتاج المسافر إلى أكثرَ ممَّا يبلِّغه غاية سفره، فكذلك المؤمن لا يحتاج في الدنيا إلى أكثرَ مما يبلغه المحَلَّ.

كذلك قوله ﷺ لابن عمر: كُنْ في الدنيا كأنَّك غريبٌ أو عابِرُ سبيلٍ يعني: لا تركن إليها، فالغريب يأخذ حاجته فقط ويمشي. وكان ابنُ عمر يقول: "إذا أصبحتَ فلا تنتظر المساءَ، وإذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباحَ، وخُذْ من صحَّتك لمرضك، ومن حياتك لموتك"، يعني: عمل بالوصية، والغريب يأخذ حاجته من البلد ويمشي إلى بلده، فهو يأخذ ما يُوصِله إلى بلده من الزاد، ولا يركن إلى بلد الغُربة. فأنت في بلد غربةٍ في هذه الدار، ودارك أمامك، وهي الجنة، دار المؤمنين، فاستعِدَّ لها، وتأهَّب للرحيل إليها. وفَّق الله الجميع. الأسئلة: س: الأصل في الزهد في اللغة؟ ج: الزهد في الشيء: عدم التَّعلق به، وعدم المبالاة به. س: ما صحة حديث سهل بن سعد؟ ج: لا بأس به، طيب. عرفتم معنى الزهد، وأنَّ معناه: عدم التَّعلق بالدنيا، وعدم إيثارها على الآخرة، وليس معناه: تركها وعدم التَّسبب، لا، يتسبب ويعمل ويستغني عن الناس، كما قال ﷺ: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله رواه مسلم في "الصحيح"، ولما سُئل: أيُّ الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيعٍ مبرور ، وقال في حديث الزبير: لأن يأخذ أحدُكم حَبْلَه فيأتي بحزمةٍ من حطبٍ على ظهره، فيبيعها، فيكفّ بها وجهه؛ خيرٌ له من سؤال الناس، أعطوه أو منعوه.