احتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مكانة كبيرة وتقديرا لا مثيل له في قلب السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، والذي يعد واحدا من أهم سلاطين الدولة العثمانية، فكان مدافعا شرسا عن الرسول الأعظم بوجه المسيئين له. في الذكرى الـ 103 لوفاة السلطان عبد الحميد الثاني، اليوم الأربعاء، (10 شباط/فبراير 1918)، من كل عام يُسلط الضوء على أهم المواقف المتعلقة بتقدير السلطان عبد الحميد الثاني للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. ويروي مؤرخون أن السلطان عبد الحميد الثاني، وعندما علم أن فرنسا تحضر مسرحية مسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، واستدعى على إثرها السفير الفرنسي في إسطنبول، ووجه له تحذيرا شديد اللهجة قائلا له ""أنا خليفة المسلمين عبد الحميد خان، سأقلب الدنيا على رؤوسكم إذا لم توقفوا تلك المسرحية". وأكد المؤرخون أن السلطان عبد الحميد الثاني، لم يمنع عرض المسرحية في منطقة واحدة في فرنسا، بل منع عرضها في فرنسا كلها، دفاعا واحتراما وتقديرا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. وأشار المؤرخون إلى أن السلطان عبد الحميد الثاني قال عندما تفاجأ بخبر التحضيرات للمسرحية الفرنسية المسيئة للرسول "علينا أن لا نسقط.. لأن سقوطنا يعني سقوط التاريخ كله والإنسانية برمّتها، وإنني مستعد للتضحية بنفسي إذا كان شعبي سينعمُ بالأمان".
تعددت الاتهامات للسلطان عبد الحميد بالإسراف والظلم وسفك الدماء، لتنتهي الأحداث بخلعه ونفيه إلى مدينة سالونيك مع مرافقيه وعائلته، ولم يُسمح لأحد منهم بأخذ مستلزماته ومرفقاته كما صودرت كل أراضيه وأمواله، وبقى تحت الحراسة المشددة حتى توفي عام 1918.
وبرأينا فإن أهمية دراسة فرح أنها تهاجر في الاتجاه المعاكس لمعظم الدراسات التي كتبت عن الفترة الأخيرة من زمن الدولة العثمانية والتي انحازت وساهمت في تشويه الصورة الاجتماعية والسياسية لتلك الحقبة، وأعني هنا الانحياز القومي الذي تقاسمه المراقبون الغربيون المعاصرون لتلك الفترة مع مؤرخي الشرق الأوسط اللاحقين. فشهود العيان الأوروبيون والعديد من مؤرخي التاريخ القومي العربي أمثال جورج أنطونيوس في دراسته عن "يقظة العرب" غالبا ما نظروا إلى الشرق الأوسط قبل الحرب العالمية الأولى من خلال تصوير النزعة القومية على أنها قوة سياسية كبرى. وكثيرا ما بحثوا في التاريخ السياسي لمجتمعاتنا من منظور الحركات القومية في المناطق البلقانية المسيحية، مع أن فكرة الانتماء إلى دولة قومية وفق النموذج الغربي الحديث لم تكن ذات معنى بنظر أكثر المسلمين. حكاية آخر العثمانيين مع بردة النبي تجمع معظم الدراسات التاريخية على أن عالم القرن التاسع عشر كان مغايرا للعقود السابقة سواء على الصعيد التنظيمي أو حتى الاجتماعي، والتي لم تكن انعكاسا لضغوط التحولات الخارجية فقط، وإنما كانت تعبر عن وعي ذاتي تجاه الحقبة الزمنية التي يعيشها العثمانيون وتغيرات العالم المحيط بهم.
[3]. [1] آصاف، عزتلو يوسف: تاريخ سلاطين بني عثمان من أول نشأتهم حتى الآن، تقديم: محمد زينهم محمد عزب، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1415هـ=1995م. صفحة 141. [2] باتريك، ماري ملز: سلاطين بني عثمان، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1407هـ=1986م. صفحة 145. [3] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442ه= 2021م، 2/ 1176- 1180.