فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالةً وحجةً على التزام محبته ووجوب فرضها، وعِظم خَطَرِها، واستحقاقه لها - صلى الله عليه وسلم -، إذ قرَّع اللهُ تعالى من كان مالُه وأَهلُه وولدُه أحبَّ إليه من الله ورسوله وأوعدهم بقوله تعالى: ((فتربصوا حتى يأتي الله بأمره)) ثم فسَّقهم بتمامِ الآيةِ وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله. وعن أنس - رضي الله عنه –: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: (لا يُؤمن أحدُكم حتى أكونَ أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين). رواه البخاري ومسلم وعن أنسٍ - رضي الله عنه – عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثٌ مَن كُن فيه وجد بهن حلاوةَ الإيمانِ: أن يكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما،وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله،وأن يكره أن يعود في الكفر كما يَكْرَهُ أن يقذف في النار. ) وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لأنت أحب إليّ من كل شيءٍ إلا نفسي التي بين جنبيّ.. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه) فقال عمر: والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحبُّ إلي من نفسي التي بين جنبي.. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( الآن يا عمر) رواه البخاري.
من فتح الباري 6/697. وقال ابن كثير –رحمه الله- في البداية والنهاية " (3/219): "... وما أحسنَ ما قال الحسنُ البصريُّ -: يا معشر المسلمين ، الخشبةُ تحنُّ إلى رسول الله شوقاً إليه ، أو ليس الرجال الذين يرجون لقاءَه أحقُّ أن يشتاقوا إليه. " وكيفما كان، فحديثُ الجذع مشهورٌ ومنتشرٌ، والخبر فيه متواتر، أخرجه أهل الصحيح، ورواه من الصحابة بضعة عشر رجلاً، وحنينه إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- معجزة من معجزاته الكثيرة. قال البيهقيُّ: "قصة حنين الجذع، من الأمور الظاهرة التي حملها الخلفُ عن السلف، وفيها دليلٌ على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكاً كأشرف الحيوان". وقال الإمام الشافعيُّ -رحمه الله-: "ما أعطى الله نبياً ما أعطى محمداً ، فقيل له: أعطى عيسى إحياء الموتى، فقال: أعطى محمداً حنين الجذع حتى سُمِعَ صوتُه، فهذا أكبر من ذلك". ( 1) فهذه مكانةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم – في قُلوب المؤمنين عُموماً، وإن أصدق تعبير عن تلك المحبة وهذه المكانة ما قاله أنس بن مالك - رضي الله عنه -يقول أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "حينما تُوفي رسول الله -صلى الله عليه و سلم- كنا نقول: يا رسولَ الله إنَّ جذعاً كنتَ تخطب عليه فترَكتَه فَحَنَّ إليك، كيف حين تركتنا لا تحنُّ القلوب إليك ؟ اللهم أمِدَّنا بحَولِكَ وقوتك فأنت وحدك المستعان ، وتقبَّل منا عملنا هذا بقَبول حسن، واجعله خالصاً لوجهك الكريم، إنك أنت السميع المجيب، وإليك أخي القارئ بعض هذه الصفات.