تفسير: (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ...)

«لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ». بهذه الآية الخالدة أنهيت حديثي مع طرفي نقيض في الشارع البحريني، طرفي نقيض يمثلان نموذجين لقطاعين عريضين من أفراد المجتمع البحريني. لا حديث في الساحة العيدية – إن جاز التعبير- إلا عن السياسة وتطورات الأحداث التي جرت في العشر الأواخر من رمضان. الجميع يسألني وكأني محسوب على طرف من هذه الأطراف. في حين أن موقعي الصحافي يتطلب الاستقلالية والحيادية. وموقفي القانوني الحقوقي يحتم عليّ أن أبقى على مسافة واحدة من الجميع حتى يصدر القضاء أحكامه النهائية في القضايا والإشكاليات المعروضة أمامه. وبهذا، فأنا محسوب فقط على دولة القانون والمؤسسات، وأنا مؤمن بديمومة واستمرارية هذا الكيان البحريني الذي توافق عليه البحرينيون في ميثاق العمل الوطني. وما عدا ذلك لا يلزمني. ليس عليك هداهم ولكن. ولكن بعض الأسئلة التي تطرح في الساحة العيدية تحمل من السخافة الشيء الكثير، وبعضها الآخر يستبطن إجابات سياسية عن الأحداث االجارية، في حين أن البعض الآخر ينتظر إجابات ثورية ساخنة! لا عليك، أقول في نفسي، إن من يقف في منتصف الطريق، ويدعو إلى الحكمة والاتعاظ من الدروس والعبر يرمى من كلا الطرفين المتناقضين.
  1. ليس عليك هداهم | محمد العثمان

ليس عليك هداهم | محمد العثمان

ولقد أراد بعض من المؤمنين أن يضيقوا على أقاربهم ممن لم يؤمنوا حتى يؤمنوا، لكن الرحمن الرحيم ينزل القول الكريم: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ}. إنه الدين المتسامي. دين يريد أن نعول المخلوق في الأرض من عطاء الربوبية وإن كان لا يلتقي معنا في عطاء الألوهية؛ لأن عطاء الألوهية تكليف، وعطاء الربوبية رزق وتربية. والرزق والتربية مطلوبات لكل من كان على الأرض؛ لأننا نعلم أن أحداً في الوجود لم يستدع نفسه في الوجود، وإنما استدعاه خالقه، وما دام الخالق الأكرم هو الذي استدعى العبد مؤمناً أو كافراً، فهو المتكفل برزقه. والرزق شيء، ومنطقة الإيمان بالله شيء آخر، فيقول الحق: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ}. أو أن الآية حينما نزلت في الحثّ على النفقة ربما أن بعض الناس تكاسل، وربما كان بعض المؤمنين يعمدون إلى الرديء من أموالهم فينفقونه. وإذا كان الإسلام قد جاء ليواجه النفس البشرية بكل أغيارها وبكل خواطرها، فليس بعجيب أن يعالجهم من ذلك ويردهم إلى الصواب إن خطرت لهم خاطرة تسيء إلى السلوك الإيماني. ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب حين ينزل أي أمر أن يلتفت المسلمون إليه لفتة الإقبال بحرارة عليه، فإذا رأى تهاوناً في شيء من ذلك حزن، فيوضح له الله: عليك أن تبلغهم أمر الله في النفقة، وما عليك بعد ذلك أن يطيعوا.

إذن فقول الحق: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ} ليس فيه حجة على القسرية الإيمانية التي يريد بعض المتحللين أن يدخلوا منها إلى منفذ التحلل النفسي عن منهج الله ونقول لهؤلاء: فيه فرق بين هداية الدلالة وهداية المعونة، فالله يهدي المؤمن ويهدي الكافر أي يدلهم، ولكن من آمن به يهديه هداية المعونة، ويهديه هداية التوفيق، ويهديه هداية تخفيف أعمال الطاعة عليه. ربع ليس عليك هداهم. {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُم} تلك قضية تعالج الشُح منطقياً، وكل معطٍ من الخلق عطاؤه عائد إليه هو، ولا يوجد معطٍ عطاؤه لا يعود عليه إلا الله، هو وحده الذي لا يعود عطاؤه لخلقه عليه، لأنه سبحانه أزلا وقديما وقبل أن يخلق الخلق له كل صفات الكمال، فعطاء الإنسان يعود إلى الإنسان وعطاء ربنا يعود إلينا. ولذلك قال بعض السلف الذين لهم لمحة إيمانية: ما فعلت لأحد خيراً قط؟ فقيل له: أتقول ذلك وقد فعلت لفلان كذا ولفلان كذا ولفلان كذا؟ فقال: إنما فعلته لنفسي. فكأنه نظر حينما فعل للغير أنه فعل لنفسه. ولقد قلنا سابقا: إن العارف بالله (الحسن البصري) كان إذا دخل عليه من يسأله هشّ في وجهه وبشّ وقال له: مرحباً بمن جاء يحمل زادي إلى الآخرة بغير أجرة.