والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين

أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾ فاعْلَمْ أنَّهُ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ اللّامُ لِلْجِنْسِ فَيَتَناوَلُ كُلَّ مُحْسِنٍ ويَدْخُلُ تَحْتَهُ هَؤُلاءِ المَذْكُورُونَ، وأنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ فَيَكُونَ إشارَةً إلى هَؤُلاءِ. واعْلَمْ أنَّ الإحْسانَ إلى الغَيْرِ إمّا أنْ يَكُونَ بِإيصالِ النَّفْعِ إلَيْهِ أوْ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ.
  1. والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين اسلام ويب – محتوى عربي
  2. الباحث القرآني
  3. والكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس والله يحبّ المحسنين*

والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين اسلام ويب – محتوى عربي

فالمخلوق حي حياة على قدره، والله عز وجل له الكمال في ذلك سبحانه. والله هو السميع البصير، فهو يسمع ويبصر، فهو يسمع كل شيء، ويرى كل شيء، وقد جعل في عبده سمعاً وبصراً، قال تعالى: فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان:2]، ولكن هذا المخلوق سمعه وبصره يليقان بنقصه وضعفه، وسمع الله عز وجل وبصره يليقان بكماله سبحانه. فأمر عباده أن يتصفوا بصفات من صفات رحمته سبحانه. وأن يكونوا رحماء وحلماء وكرماء، وأن يكونوا طيبين ورفقاء بغيرهم، فالله طيب يحب الطيبين، وهو جميل يحب الجمال، ورفيق يحب الرفق، وهو الرحيم وقد جعل المؤمنين فيما بينهم رحماء. إذاً: فمن صفاته الكاملة سبحانه: صفة الرفق، وصفة الحلم، وقد أمر عباده بأن يحلموا. فالعبد عندما يقول: إن فلاناً أغاظني، نقول له: هذا العبد كم أغضب ربه سبحانه؟ وكم حلم عليه سبحانه وتعالى؟ فعندها يرفق العبد، ويعامل الناس بالشيء الذي يحب أن يعاملوه به؛ ابتغاء وجه الله سبحانه. والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين اسلام ويب – محتوى عربي. قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)، ففي الحديث أن الرفق ليس مرة أو مرتين، وإنما في كل أمرك كن رفيقاً، ومع كل شيء. وأيضاً في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)، يعني: لو كان هناك منكر موجود مثلاً فقام إنسان ينكر هذا المنكر فتكلم برفق فانتهى صاحب المنكر عن منكره، وقام آخر وتشدد وعنف هذا الإنسان وضربه ومنعه من المنكر، فكل منهما نهى عن منكر، لكن الأول أكثرهما ثواباً، قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف).

الباحث القرآني

أي: لو أن الإنسان عند استعجاله للشر وسؤاله له مثل قوله: يا رب خذني، لو أجابه الله لعجل له الشر وأخذه، ولعله يأخذه وهو على معصية، فلا يتوب إلى الله عز وجل. وكذلك عندما يغضب الإنسان من ابنه ويدعو ربه أن يأخذه فلو أن الله عجل إليه لأخذه حالاً، فيعود الإنسان يلوم نفسه ويسألها: ما الذي جعلني أدعو عليه؟ وهكذا الإنسان يتغيظ ويدعو على نفسه، أو يدعو على زوجه، أو يدعو على أهله أو ولده، والله عز وجل يؤدبنا ويقول لنا: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ [يونس:11]، ولكن الله عز وجل حليم رفيق بعباده ولطيف بهم، فيحب من عباده أن يتخلقوا بهذه الصفة، صفة الرفق. ولله عز وجل صفات يأبى أن يشاركه فيها أحد من خلقه، وله صفات أمر عباده أن يتخلقوا بنحوها. فمن صفاته سبحانه التي أبى لعباده أن يتخلقوا بمثلها: صفة الكبر، ومن نازع الله عز وجل في ذلك أدخله النار سبحانه تبارك وتعالى. والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين اسلام ويب. ومن صفاته الكريمة سبحانه: صفة الكرم، وقد أمر عباده أن يكونوا كرماء. والله صفاته عظيمة، فله الكمال في كل وصف من الأوصاف، والعباد لهم من ذلك على قدر ما يفعلون، وصفات العباد فيها نقص، وأما الله فله الكمال سبحانه، وذلك مثل: أنه جعل في عباده الحياة، وهو حي سبحانه وتعالى، وحياة الله دائمة أبدية سرمدية، فهو الأول وهو الآخر، فلا بداية له ولا نهاية؛ لأن البداية والنهاية زمن مخلوق، والله عز وجل هو الحي حياة أبدية لا نهاية لها.

والكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس والله يحبّ المحسنين*

وقد أجرى على المتقين صفات ثناء وتنويه ، هي ليست جماع التقوى ، ولكن اجتماعها في محلها مؤذن بأن المحل الموصوف بها قد استكمل ما به التقوى ، وتلك هي مقاومة الشح المطاع ، والهوى المتبع. الصفة الأولى: الإنفاق في السراء والضراء. والإنفاق تقدم غير مرة وهو الصدقة وإعطاء المال والسلاح والعدة في سبيل الله. والسراء فعلاء ، اسم لمصدر [ ص: 91] سره سرا وسرورا. والضراء من ضره ، أي في حالي الاتصاف بالفرح والحزن ، وكأن الجمع بينهما هنا لأن السراء فيها ملهاة عن الفكرة في شأن غيرهم ، والضراء فيها ملهاة وقلة موجدة. فملازمة الإنفاق في هذين الحالين تدل على أن محبة نفع الغير بالمال ، الذي هو عزيز على النفس ، فقد صار لهم خلقا لا يحجبهم عنه حاجب ولا ينشأ ذلك إلا عن نفس طاهرة. الصفة الثانية: الكاظمين الغيظ. والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين اسلام وب سایت. وكظم الغيظ إمساكه وإخفاؤه حتى لا يظهر عليه ، وهو مأخوذ من كظم القربة إذا ملأها وأمسك فمها ، قال المبرد: فهو تمثيل للإمساك مع الامتلاء ، ولا شك أن أقوى القوى تأثيرا على النفس القوة الغاضبة فتشتهي إظهار آثار الغضب ، فإذا استطاع إمساك مظاهرها ، مع الامتلاء منها ، دل ذلك على عزيمة راسخة في النفس ، وقهر الإرادة للشهوة ، وهذا من أكبر قوى الأخلاق الفاضلة.
(والأناة)، أي: أن غير متعجل. والإنسان الذي جاء من سفر قد يكون ممتلئاً عرقاً، وممتلئاً بغبار السفر، فإذا جاء ليقابل أحداً ويسلم عليه فربما يغضب، فقد يلوث له ثيابه، فهذا الرجل انتظر حتى تنظف ولبس ثوبين وتطيب، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم طيباً، ففرح به النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة)، فسأله الرجل: هاتان الخصلتان اكتسبتهما أنا أم هما هبة من الله عز وجل فطرني الله عليهما؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (من الله)، يعني: الله هو الذي فطرك عليهما. فحمد الرجل ربه سبحانه أن فطره على ذلك. فالإنسان الحليم محبوب من الله عز وجل، ومحبوب من الخلق، فهو إنسان متأن غير مستعجل، فلا يريد أن يعمل كل شيء بسرعة، ولكنه يفكر قبل أن يعمل الشيء. والكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس والله يحبّ المحسنين*. حب الله لصفة الرفق وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله). فالله عظيم سبحانه وتعالى، ومن صفات كماله وجلاله سبحانه الحلم والرفق والرحمة، فهو حليم ورفيق يرفق بعباده، قال تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ [يونس:11].