الآية رقم ( 121) من سورة طه برواية:
ثم بعد ذلك تأتي تفسيرات بعض علماء اللغة العربية في عصر التقنين اللغوي، وبخاصة في المَجال الصوتي؛ فأدخلوا القراءات القرآنية ضمن إطار النسق العام للقواعد التي صنَعوها في بنائهم اللغوي المتكامل، فلم يُفرِّقوا فيه بين ما هو أصلاً لغة عامة للعرب، وما هو إحدى اللهجات، ووضعوا بذلك قواعدهم المعيارية. والمعروف أن الأصوات العربية نوعان؛ جامدة وذائبة، فالحركات والمدود ذائبة، وبقية حروف الهجاء جامِدة. ويُلاحَظ أن بعض القراءات القرآنية تأخذ صورًا متعددة في هذا الإطار الصوتي بنَوعيه، وتبدو كما يلي: 1- قراءات تفضِّل حركةً مُعيَّنةً. 2- قراءات تثبت حركة أو تَحذفها. 3- قراءات تبدل حرفًا من آخر. 4- قراءات تقرِّب صوتًا من آخر. ومن خلال التتبع والاستقراء وجد الباحثون أن التخريج السليم لها هو: التخريج اللهجي، وهذا ما تدعمه الأدلة العلمية، وتؤيده البراهين الصوتية قديمًا وحديثًا [13]. يقول عبدالغفار حمادة بعد توسُّعه في دراسة هذه القضية: "ونَخلص من ذلك إلى أن الفكر القياسي الذي انتهجه بعض اللغويين والنحاة القدامى لم يصل إلى المطلوب في تفسير القراءات، وأن وصلها باللهجات هو الحل العلمي المنهجي السليم" [14]. ومثلُ هذا ما صنعوه في قضية ( صلة هاء الضمير للمفرد المذكَّر)، فنتَج عن فعل بعض اللغويين والنُّحاة القدماء تهجُّمٌ على القراءات القرآنية المتواترة، بسبب منهجِهم ذاك، مع أن القضية ليست قضية قياس منطقي؛ فاللغة ليست منطقًا فحسب، بل هي ظاهرة اجتماعية، وعلمُ اللغة الحديث يفسر ظاهرة إثبات صلة الضمير وحذْفِها، وتنوع اللهجات في ذلك [15].