الم تعلم ان الله على كل شيء قدير

هكذا هو الإسلام؛ إنه النور الذي تمشي به في الطريق ، فتعرف الصلاح فتتبع نَهْجه، وتعرف الفساد فتتجنب الطرق المُفضية إليه. وتلويث البيئة وتدميرها دليل على افتقاد المصباح. الأرض والسماء ، وكل المخلوقات عابدة لله مُسبِّحة، وإنْ كنَّا لا نَفْقه تسبيحها. والأرض والسماء لا تعطيانا إلا الماء والثمار، والدِّفْء، والليل لباسًا، والنهار معاشًا. وإذا لم نشكر نِعَم الله علينا، فإنها تزول بجحودها، وتعقبها النقم. الم تعلم ان الله على كل شيء قدير. الإسلام ليس ضِدَّ العلم يا صديقي ، إلاَّ إذا كان هذا العلم جاحدًا لخالقه، ربِّ السماء، مرتبِطًا بأرباب الأرض الضعفاء. وفجأةً تمايلَتِ الأرض بصالحٍ ويونُسَ وهما مستغْرِقان في حديثهما، واصطفق باب دكَّان الإنترنت بقوة، واهتزَّت الحواسيب وسقطتْ. وصعق يونس وصالح، وهما يَرَيان غبارًا كثيفًا، يَلِج دَفعةً واحدةً إلى داخل الدكان، وغامت نظراتهما، ولم يتذكرا بعد ذلك أي شيء، حين فتحا عينيهما تِباعًا. وجَدا نفسيهما في غرفة مُكتظَّة بالجَرْحى والمصابين ، وأُناسًا حَواليهم ذاهلين، يتحدَّثون بأصوات مرتَبِكة، وسَحناتٍ صفراءَ مذعورة - كسَحنات الموتى - عن الزلزال! • الزلزال! قال يونس بلهجة المنتصر: • هذا ما قرأتُ عنه يا صالح قبل لحظات.

وتعالى نباح الكلاب حادًّا متواصلاً، غير متقطِّع، كان نباحًا حزينًا يَبعث على البكاء. وسمع الشيوخ النباح فأصابتهم قشَعْريرة ، وارتعدت أوصالهم، وجفَّت حلوقهم، وصارت شفاههم بيضاء لا تطاوعهم إلا للقذف بكلمات مبْتورة متقطِّعة: يمْكن.. الزلزال.. يمكن.. الله يَلْطف. انتبه صالح من إغفاءةِ ما بعد صلاة الفجر، وكان التَّعب قد خدَّرَه، وجعل المصحفُ يسقط من يديه دون أن ينتبه، ولا عَجَب؛ فقد أمضى اليوم كله في مساعدة أبيه بسوق الخُضَر. أفزع صالحًا اصطِفاقُ الأبواب، وصَفير الرياح ، فركض إلى النافدة يستطلع الخبر، فرأى ريحًا حمراءَ تَعلو جو القرية، وتُغطيها بسُحب داكنة على غير عادة السماء في شهر مارس؛ حيث تَخلع الأرضُ ثوب الحِدَاد، وتتزيَّن بمختلف ألوان الأزاهير الخلاَّبة. لَبِس صالح على عجَل، وخرج مسرعًا لملاقاة أصحابه، لكنه لم يجد أحدًا منهم. أقلقه وُجُوم الوجوه، وغياب أصدقائِه المفاجئُ في هذا الوقت من الصبيحة. سار صالح مُطْرقَ الرأس مُشَوَّش الذِّهن، وهو يَرى أبواب الحوانيت تُقْفَل، والشبابيك تُسَدُّ بالمَزاليج، والأطفال الصغار يسارعون إلى البيوت بوجوه قلقة، يدخلون على عجل، وسرعان ما يصْفقون الأبواب وراءهم بعصبية.

وحْدَه دكَّان الإنترنت كان لا يزال مفتوحًا. دَلَف صالح إلى الداخل فوجد صديقه الحميم يونس مُنحنِيَ الرأس على الحاسوب، يَنْقر على الفأرة بأصابع عجولة، ويتطلَّع إلى شاشة الحاسوب باهتمام وقلق. رَبّت صالح على كتف يونس، فاستدار بانشغال واضح، وحيَّا صالحًا بعبارة عاجلة مُبْهمة، واسترسل في إبحاره. • هِيهِ يا يونس، أصبحْتَ نابغةً في المعلوميَّات، تُبْحِر بمهارة في الإنترنت، لكنْ خبِّرْني بالله عليك، ما الذي يَجري في القرية؟ الناس يركضون في كل الاتجاهات، يُهمْهِمون ولا يتكلمون، ما الذي يحدث؟ • ألم تسمع يا صالح نشرةَ الأخبار الجوية؟ لقد حذَّروا الناس البارحةَ مِن عاصفة رعدية قد تكون الأسوأ من نوعها، وهاهي غيوم السماء السوداء، وهذه الرِّيح الحمراء، تُنبِئان باحتمال حدوث إعصار، وأنا هنا في الإنترنت لأبحث عن أسباب الإعصارات. • أنت محِقٌّ في بحثك يا يونس، يعجبني فيك شغَفُك بالعلم، لكن قبل أن نواصل البحث في هذا الموضوع، تعالَ بنا نُؤمِنْ لدَقائِقَ معدودات، كما كان يفعل رسول الله وأصحابه، حيث كانوا يَفزعون إلى الصلاة إذا داهمَهم مَكْروه ما. • يبدو أنك خالي البال، ولا زلتَ تُصِر على نَهْج سبيل الخُرافة كما عهِدْتُك، مُؤْثرًا التشبُّثَ بالماضي وأهله، على الحاضر وناسه وقضاياهم، وأقترح عليك للتخلُّص من قبْر الماضي هذا، أن نتعلَّم ساعةً عِوَضًا عن أن نؤْمِن ساعةً!

‏ وقال قتادة‏:‏ أحكمها الله من الباطل، ثم فصلها بالحلال والحرام‏. ‏ مجاهد‏:‏ أحكمت جملة، ثم بينت بذكر آية آية بجميع ما يحتاج إليه من الدليل على التوحيد والنبوة والبعث وغيرها‏. ‏ وقيل‏:‏ جمعت في اللوح المحفوظ، ثم فصلت في التنزيل‏. ‏ وقيل‏ { ‏فصلت‏} ‏ أنزلت نجما نجما لتتدبر‏. ‏ وقرأ عكرمة ‏ { ‏فصلت‏} ‏ مخففا أي حكمت بالحق‏. ‏ { ‏من لدن‏} ‏ أي من عند‏‏} ‏حكيم‏} ‏ أي محكم للأمور‏. ‏ ‏ { ‏خبير‏} ‏ بكل كائن وغير كائن‏. ‏ قوله تعالى‏ { ‏ألا تعبدوا إلا الله‏} ‏ قال الكسائي والفراء‏:‏ أي بألا؛ أي أحكمت ثم فصلت بألا تعبدوا إلا الله‏. ‏ قال الزجاج‏:‏ لئلا؛ أي أحكمت ثم فصلت لئلا تعبدوا إلا الله‏. ‏ قيل‏:‏ أمر رسوله أن يقول للناس ألا تعبدوا إلا الله‏. ‏ { ‏إنني لكم منه‏} ‏ أي من الله‏. { ‏نذير‏} ‏ أي مخوف من عذابه وسطوته لمن عصاه‏. ‏ { ‏وبشير‏} ‏ بالرضوان والجنة لمن أطاعه‏. ‏ وقيل‏:‏ هو من قول الله أولا وآخرا؛ أي لا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير؛ أي الله نذير لكم من عبادة غيره، كما قال‏ { ‏ويحذركم الله نفسه‏} ‏ [آل عمران‏:‏ 28‏]‏‏. ‏ قوله تعالى ‏ { ‏وأن استغفروا ربكم‏} ‏ عطف على الأول‏. ‏ { ‏ثم توبوا إليه‏} ‏ أي ارجعوا إليه بالطاعة والعبادة‏.

• الزلزال. قال صالح: • هذا ما جَنتْه أيدي الناس وقلوبُهم، يا يونس. وساد وُجوم في غرفة المستشفى المكتظة، وحُزْنٌ عميق؛ فقد سقطتْ معظم الدُّور المبنية بالحجارة الهشَّة، وأصبح الناس بلا مأوى، وتحلَّق الأطفال فَوق الخرائب يَبكون حُرْقةَ الجوع والعطش. صَلَب صالح قامَتَه، وكانت جِراحُه طفيفةً ، وقصَد يونس في سريره، وكانت جراحه هو الآخر خفيفةً، فعانقه وقال مخاطِبًا إيَّاه بوُدٍّ وطمأنينة لنجاته: • الحمد لله الذي أنجانا من الموت تحت الرَّدم، إن الله على كل شيء قدير. وسارع يونُس للردِّ بلَهْجة لا تَخلو من تَشَنُّج واستهزاءٍ كعادته: • ما دخْل قدرة الله في الزلزال؟! هذه اختلالات طبيعية، تؤكِّد ما تحدَّثنا عنه قبل قليل، والاختلالات الطبيعية من صُنْع البشر، والبشر على كل شيء قدير! فإذا تمَّ الوعي بمخاطِرِ إفساد البيئة، واتَّخذ الإنسانُ الأسبابَ العِلميَّة كما شرَحْتُ لك، فلن يحدث الزلزال. وفجأةً اهتزَّت الأرض مرَّةً أخرى، وكان جميع سكَّان القرية قد التَحَقوا بمسجد القرية الذي ظلَّ صامِدًا. ورفض يونس الالتحاق بهم؛ معتبِرًا ما شاع في القرية من أنَّ الله سينجي المسجد خُرافة! وأخذت البِنايات تتحرَّك تحت أرْجُل صالح ويونس ، وسقطتْ بضع حجارة على يونس، فهوى إلى الأرض مغشيًّا عليه، فحمله صالح على كتفيه، وركضَ به وسط عاصفة الغبار إلى المسجد.

إن الله على كل شيء قدير - YouTube

تكاثفَتِ الغيوم في سماء، كانت زرقاء صافية. وسرحَت الغيوم البعيدة إلى حيثُ كتلَةُ السَّحاب الكبرى، فغدَت كقِنَاع رمادي غامق. وفجأةً تكدَّر الجَوُّ الذي كان عند شروق شمس ذلك الصباح يُغري بالاستجمام، والخروج في نزهات ربيعية جميلة. وأخذ الأطفال الصغار يتجمَّعون للتحْدِيق في السماء ، وزَهدوا في ألعابهم وكُراتهم البلاستيكية، وتطلعوا بأعناقهم إلى السماء، وأصابعهم تتسابق للإشارة إلى ذلك البِسَاط الدَّاكن المخيف الذي علا وجه السماء، وغطَّى خيوط الشمس الدافئة. ونظر الباعة في سوق الخُضَر إلى بعضهم البعض في خوف وقلق؛ فالتَّقلُّب الجوي بهذا الشكل من أقصى الدِّفْء والانشراح مع بداية الصباح، إلى هذا العبوس يُنبِئ عن عاصفة رعدية قد يَعْقبها سيْل يُغْرِق القرية. كما حدث قبل سنوات حين داهم القريةَ طوفانٌ والناس نائمون، فاستيقظوا على هَدير الماء يحمل متاعهم ودُورهم وأطفالهم وجُثث الغرقى منهم. استعاذ الشيوخ بالله العلي العظيم من سوء المنْقَلب ، وسارعت النساء إلى سطوح المنازل؛ لتخليص الملابس المنشورة على الأسلاك من شبابيكها وإدخالها إلى البيوت؛ خوفًا من أن يصيبها بَلل مفاجئ. وأُطفِئت قنينات الغاز الكبيرة والصغيرة، وأجهزة التلفاز، فقد تصيب عاصفةٌ رَعْدية خَيطًا ما، فيحدث تَمَاسٌّ كهربائي يُؤدي إلى حريق لا قدر الله، تندلع بعده النار إلى المواد المشتعلة، فتكون الكارثة.