ثم قست قلوبكم فهي كالحجارة

- قال تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة: 74] قال الشوكاني: (القسوة: الصلابة واليبس، وهي: عبارة عن خلوها من الإنابة، والإذعان لآيات الله، مع وجود ما يقتضي خلاف هذه القسوة) [6880] ((فتح القدير)) (1/118). قال السعدي: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم (أي: اشتدت وغلظت، فلم تؤثر فيها الموعظة، مِّن بَعْدِ ذَلِكَ أي: من بعد ما أنعم عليكم بالنعم العظيمة وأراكم الآيات، ولم يكن ينبغي أن تقسو قلوبكم، لأنَّ ما شاهدتم، مما يوجب رقة القلب وانقياده، ثم وصف قسوتها بأنها كَالْحِجَارَةِ التي هي أشد قسوة من الحديد، لأنَّ الحديد والرصاص إذا أذيب في النار، ذاب بخلاف الأحجار. وقوله: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً أي: إنها لا تقصر عن قساوة الأحجار) [6881] ((تيسير الكريم الرحمن)) (1/55). ثم قست قلوبكم من بعد ذلك. قال الطبري: (فقوله: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً يعني فقلوبكم كالحجارة صلابةً، ويبسًا، وغلظًا، وشدةً، أو أشد قسوة) [6882] ((جامع البيان)) (2/234).
  1. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة البقرة - الآية 74

القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة البقرة - الآية 74

إن هذه البضعة من البقرة المذبوحة لا حياة فيها، ولا قدرة لها على الإحياء، ولكنها مجرد سبب ظاهر يكشف لبني إسرائيل عن كمال قدرة الله تعالى التي يشاهدون آثارها ولا يدركون كنهها، وكذلك يحيي الله الموتى بمثل الذي يرونه واقعاً أمامهم، ولا يدرون كيف وقع، وبمثل هذا اليسر الذي لا مشقة فيه ولا عسر. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة البقرة - الآية 74. السؤال: ما الحكمة من أمر بني إسرائيل بذبح بقرة؟ - الجواب: ليكشف بجزء منها عن قاتل النفس المحرمة بغير حق، ولاختبار مدى انقيادهم للتكاليف، واستجابتهم لأوامر الله تعالى ولتعريتهم أمام أنفسهم بكشف تلكئهم في الاستجابة، وتعنتهم وتمحل المعاذير، وتلمس الحجج، ولفضح بذاءتهم وسلاطة ألسنتهم، وصفاقة قلوبهم. والله أعلم. السؤال: يفهم من قوله تعالى: وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها أن قتل النفس وقع قبل ذبح البقرة، وكأنه قيل: وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها فقلنا اذبحوا بقرة فاضربوه ببعضها فما السر في تغيير ترتيب الحكاية؟ - الجواب: غير - سبحانه - ترتيب الحكاية لقصد - والله أعلم بمراده - تكرير التوبيخ والتقريع، فإن كل واحدة من قتل النفس المحرمة والاستهزاء بموسى عليه السلام، والشك في صدقه، وترك المبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى، والتلكؤ في تنفيذه، وكثرة مراجعاتهم لموسى عليه السلام جناية عظيمة تستوجب إفرادها بالتوبيخ والتشنيع، ولو حكيت القصة على ترتيب الوقوع لما علم استقلال كل منها وإفراده بما يخصها من التوبيخ.

ومثله عن ابن جريج. وقال بعض المتكلمين في قوله: وإن منها لما يهبط من خشية الله: البرد الهابط من السحاب. وقيل: لفظة الهبوط مجاز ، وذلك أن الحجارة لما كانت القلوب تعتبر بخلقها ، وتخشع بالنظر إليها ، أضيف تواضع الناظر إليها ، كما قالت العرب: ناقة تاجرة ، أي: تبعث من يراها على شرائها. وحكى الطبري عن فرقة أن الخشية للحجارة مستعارة ، كما استعيرت الإرادة للجدار في قوله: يريد أن ينقض ، وكما قال زيد الخيل: لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع وذكر ابن بحر أن الضمير في قوله تعالى: " وإن منها " راجع إلى القلوب لا إلى الحجارة أي: من القلوب لما يخضع من خشية الله. قلت: كل ما قيل يحتمله اللفظ ، والأول صحيح ، فإنه لا يمتنع أن يعطى بعض الجمادات المعرفة فيعقل ، كالذي روي عن الجذع الذي كان يستند إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب ، فلما تحول عنه حن ، وثبت عنه أنه قال: إن حجرا كان يسلم علي في الجاهلية إني لأعرفه الآن. وكما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال لي ثبير اهبط فإني أخاف أن يقتلوك على ظهري فيعذبني الله. فناداه حراء: إلي يا رسول الله. ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة. وفي التنزيل: إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال الآية.