رجالٌ صدقوا: حكيم بن حزام

وشهد حكيم مع المشركين بدرًا، وتقدم إلى الحوض، فكاد حمزة أن يقتله، فما سحب إلا سحبًا بين يديه، فلهذا كان إذا اجتهد في اليمين يقول: "لا والذي نجاني يوم بدر". ولما ركب رسول الله صلى الله ليه وسلم إلى فتح مكة ومعه الجنود، خرج حكيم وأبوسفيان يتجسسان الأخبار، فلقيهما العباس، فأخذ أبا سفيان، فأجاره وأخذ له أمانًا من الرسول، وأسلم أبو سفيان ليلتئذ كرهًا. ومن صبيحة ذلك اليوم أسلم حكيم وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم "حنين"، وأعطاه مائة من الإبل ثم سأله فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم قال: "يا حكيم إن هذا المال حلوة خضرة، وإنه من أخذه بسخاوة بورك له فيه، ومن أخذه بإسراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع". فقال حكيم: "والذي بعثك بالحق لا أرزأ بعدك أبدًا، فلم يرزأ أحدًا بعده، وكان أبو بكر يعرض عليه العطاء فيأبى، وكان عمر يعرض عليه العطاء فيأبى فيشهد عليه المسلمين، ومع هذا كان من أغنى الناس". ومات الزبير بن العوام، يوم مات، ولحكيم عليه مائة ألف، وقد كان بيده حين أسلم الرفادة ودار الندوة فباعها بعد من معاوية بمائة ألف. حكيم بن حزام بن خويلد. وكان حكيم اشتري دار الندوة في الجاهلية بكمية من الخمر، فلما باعها وتصدق بثمنها في الإسلام، قال: ولأشترين بها دارًا في الجنة، أشهدك أني قد جعلتها في سبيل الله، وهذه الدار كانت لقريش بمنزلة دار العدل،- وزارة العدل- وكان لا يدخلها أحد إلا وقد صار سنه أربعين سنة، إلا حكيم بن حزام فإنه دخلها وهو ابن خمس عشرة سنة.

حكيم بن حزام بن خويلد

قالَ: أقْرَأَنِيهَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَقُلتُ: كَذَبْتَ؛ فإنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدْ أقْرَأَنِيهَا علَى غيرِ ما قَرَأْتَ، فَانْطَلَقْتُ به أقُودُهُ إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَقُلتُ: إنِّي سَمِعْتُ هذا يَقْرَأُ بسُورَةِ الفُرْقَانِ علَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا! فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أرْسِلْهُ، اقْرَأْ يا هِشَامُ، فَقَرَأَ عليه القِرَاءَةَ الَّتي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كَذلكَ أُنْزِلَتْ، ثُمَّ قالَ: اقْرَأْ يا عُمَرُ، فَقَرَأْتُ القِرَاءَةَ الَّتي أقْرَأَنِي، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كَذلكَ أُنْزِلَتْ؛ إنَّ هذا القُرْآنَ أُنْزِلَ علَى سَبْعَةِ أحْرُفٍ، فَاقْرَؤُوا ما تَيَسَّرَ منه. عمر بن الخطاب | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 4992 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح] التخريج: أخرجه البخاري (4992)، ومسلم (818) مِن رحَمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ أنَّه أنزَلَ القرآنَ الكريمَ على أحرُفٍ وقِراءاتٍ تُوافِقُ لَهجاتٍ عَرَبيَّةً عِدَّةً؛ تَخفيفًا وتَيسيرًا وتَسهيلًا على المسلمين.

وكثير من الناس يظن أن ما يبذله الإنسان لأهله وولده أن هذا ليس من الصدقة، والواقع أن هذا من الصدقة التي يؤجر عليها، الأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة جدًّا، وقد مضى شيء من هذا، والنفقة على هؤلاء هي من قبيل الواجب، والنفقة على غيرهم هي من قبيل المستحب. ومعلوم أنه ما تقرب العباد إلى الله -تبارك وتعالى- بشيء أحب إليه مما افترضه عليهم، فالواجبات في الميزان أثقل من المستحبات، وذلك يدخل فيه بالقدر الواجب النفقات الواجبة، يعني: في الأمور الضرورية من الملبس والمأكل والمشرب، في ضروراتهم، وما زاد على ذلك من غير إسراف فإن الإنسان يؤجر عليه، أما التوسع الزائد الذي يفسد نفوسهم ويورثهم شيئاً من البطر والزهد في النعمة، وما إلى ذلك فمثل هذا لا يحمد.