اللهم لك اسلمت

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فهذا هو الحديث الثاني في باب اليقين والتوكل مما ذكره الإمام النووي -رحمه الله- في هذا الكتاب المبارك رياض الصالحين، وهو: حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله ﷺ كان يقول: اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا تموت، والجن والإنس يموتون [1]. فهذا الثناء على الله -تبارك وتعالى- والسؤال الذي تضمنه هذا الحديث هو من جوامع الكلم، وهو على السنة المعروفة، وذلك أن الإنسان إذا أراد أن يدعو الله -تبارك وتعالى- وأن يسأله مسألة فإنه يحسن به أن يقدم من الثناء على الله  ما يناسب المقام، ويظهر فقره، وحاجته، ومسكنته إلى ربه . يقول النبي ﷺ: اللهم لك أسلمت يعني: أسلم لسانه، وقلبه، وجوارحه، أسلم لأحكام الله الشرعية التي هي حدوده، الحلال والحرام، وما أشبه ذلك، فلا يخرج عن شيء من أمر الله -تبارك وتعالى، ولا يترك محابّه إلى مساخطه. اللهم لك اسلمت وبك امنت الدعاء اسلام وىب. وكذلك يُسْلم الإنسان لربه -تبارك وتعالى- في أحكامه القدرية، فلا يعترض على أقدار الله وإن كانت مؤلمة، وإن كانت مزعجة بالنسبة إليه، فهذا من حقيقة الإسلام، إسلام الوجه لله  ، فإن الإنسان لا تزال تنتاشه المكاره مرة بعد مرة، وإن كان قد طال عمره فصار هو أطول أهله عمراً فمعنى ذلك أنه سيفجع بهم جميعاً، الواحد بعد الآخر، هذه حقيقة الحياة، أو أنهم يفجعون به أولاً.

  1. ((اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ ب
  2. شرح حديث اللَّهُمَّ لك أَسْلَمْتُ

((اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ ب

"اللهم ارحمنا إذا وورينا التراب وغلقت من القبور الأبواب فإذا الوحشة والوحدة". "اللهم إني أسألُكَ يا اللهُ الواحدُ الأحدُ الصمدُ، الذي لم يلدُ ولم يُولدُ، ولم يكن لهُ كُفُواً أحدٌ أن تغفرَ لي ذنوبي، إنك أنتَ الغفورُ الرحيمُ". "نستغفرك يا ربنا من جميع الذنوب والخطايا ونتوب اليك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله". اللهم لك اسلمت وبك امنت وعليك توكلت. "اللهم أنك عفوا كريم تحب العفو فاعفوا عنا". "اللهمَّ لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليك توكلتُ، وإليك أنبتُ، وبك خاصمتُ، اللهمَّ إني أعوذ بعزَّتِك، لا إله إلا أنت، أن تُضِلَّني، أنت الحيُّ الذي لا يموتُ، والجنُّ والإنسُ يموتون". "اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك أحسن وقوفنا بين يديك لا تخزنا يوم العرض عليك". ويعد شهر رمضان، هو شهر المغفرة والعفو وتقبل الدعوات، والتقرب من الله وتلاوة القرآن الكريم والتصدق على الفقراء، فيه تغلق أبواب النار وتفتح أبواب الجنة، وتسلسل الشياطين.

شرح حديث اللَّهُمَّ لك أَسْلَمْتُ

اللهم أبعد عنا كل بلاء وارفع شأننا في الأرض والسماء واجعل لنا قوة في الدين واجعلنا في الشدة صابرين وفي الرخاء شاكرين.

فينبغي للعبد أن يسأل الله تعالى دائماً أن يعصمه من الضلالة، وأن يُديم عليه الهداية إلى أن يلقاه يوم القيامة. وفيه دليل على جواز الاستعاذة بصفة من صفات الله تعالى الجليلة. قوله: (( أنت الحيّ الذي لا يموت والجن والإنس يموتون)) تأكيد لانفراد الله تعالى بالحياة: أي أنت الحيّ لك الحياة الكاملة التي لا يعتريها أي نقص المتصفة بكل كمال، المستلزمة لكل صفات الذات، فحياته تعالى لا يعتريها نوم، ولا نعاس، ولا تبيد، ولا تفنى، والخلق كلهم، ميتون ومنتهون، قال تعالى:] وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ [ ( [7]) ، وقال تعالى:] كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَه [ ( [8]). ففي هذا الدعاء المبارك جمع في بداياته، وطياته ونهاياته، توسلين من التوسّلات العظيمة إلى الله تعالى: التوسّل بالعمل الصالح [كقوله: (( اللَّهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت... ))]، والتوسل بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا [كقوله: (( أنت الحي الذي لا يموت... ((اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ ب. ))]؛ لبيان أهمية الاستعاذة من الضلالة، فإنها تورد الموارد المهلكة، وتضيع الدين والدنيا والآخرة وفي العصمة منها، النجاة من كل مرهوب، وحصول كل مرغوب. ( [1])مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، برقم 2719، وبنحوه برقم: 769، والبخاري، أبواب التهجد، باب التهجد بالليل، برقم 1120، وانظر الأرقام: 6317، و7385، و7442، و7499.