جريدة الرياض | التجاهل الإعلامي سلاح فعال

فالأب والأم المتغافلان عن الهفوات الصغيرة يكسبان أبناءهما على المدى الطويل أكثر من هؤلاء الذين لا يتركون شاردة ولا واردة إلا ويعاقبون عليها. جريدة الرياض | التجاهل الإعلامي سلاح فعال. وهذا ينطبق على العلاقات العائلية والإنسانية كافة. كانت لدي صديقة بريطانية وكانت من العباقرة في الفيزياء الفلكية، وحصلت على بعثة في إحدى الجامعات المشهورة لتدرس الدكتوراه، ولأنها كانت أصغر الطلاب سناً والفتاة الوحيدة في ذلك القسم فقد كانت تتعرض لبعض التعليقات إما الجارحة أو الساخرة للنساء أو أحيانا المتحرشة بخفية، وكنت أقول لها كيف تواجهين كل هذا؟ فقالت لي: «بالتغابي، أسمع ما لا يعجبني فأظهر وكأنني لم أفهمه وأنتِ تعرفين البريطانيين لا ينتقدون مباشرة أبداً بل يغلفون النقد، وحتى التحرشات تكون مبطنة، ولكنني أفهمها طبعا وأعيش الدور وكأنني لا أفقه شيئاً». أذكر أيضاً أستاذاً جامعياً كان يدرسنا الأدب في مرحلة الماجستير، وقد أصدر كتاباً مميزاً، وأثناء المحاضرة أشار أحد الطلاب إلى كتابه الجديد، فقال له جيد أنك قرأته، فقال نعم لقد وجدته في قائمة «البست سيلرز» أو أكثر الكتب مبيعاً، فسخر طالب آخر حينما التفت الأستاذ ليكتب شيئا على اللوح، وقال بصوت مسموع: «أكثر الكتب مبيعاً في مكتبة الكتب المستعملة أو في الحراج؟» وضحك بعض الطلاب الخبثاء.
  1. التغافل.. فن لا يتقنه إلا الأذكياء
  2. جريدة الرياض | التجاهل الإعلامي سلاح فعال
  3. فن التغافل والتغاضي

التغافل.. فن لا يتقنه إلا الأذكياء

إنك إن تغافلتَ عن زلة رأيتها، أو خطأ وقعت عليه، لا يعني الغباء والسذاجة والضعف.. لا أبداً، بل هو الفطنة والعقل والحكمة، ولا يجب أن نمسك ذلك الخطأ والزلة ونجلده بها بين كل حين وآخر، بل هو التغاضي والصفح والعفو. قال معاوية رضي الله عنه: (العقل مكيال: ثلثه الفطنة، وثلثاه التغافل)، وقال الشافعي رحمه الله: (الكيّس العاقل هو الفطن المتغافل).

جريدة الرياض | التجاهل الإعلامي سلاح فعال

الخميس 23 ذي الحجة 1425هـ - 3 فبراير 2005م - العدد 13373 عبارة التجاهل الإعلامي أو التعتيم الإعلامي، أو التناسي الإعلامي أو الشطب من واجهة الظهور أو انقطاع الحضور، كلها عبارات تعني اتخاذ اجراء معين الغرض منه اتخاذ موقف إعلامي ايجابي تتحقق منه ومعه الفائدة للمجتمع الذي يتلقى المواد الإعلامية، والحفاظ على سلامة المتلقي واحترامه بالإضافة إلى قطع خط المعونة والمساعدة عن المعادي ومن يفرض عداءً من أي نوع كان، وهذا العداء قد يكون سياسياً أو عسكرياً أو فكرياً أو أخلاقياً أو حضارياً أو ثقافياً أو اقتصادياً أو غير ذلك. وعندما أقول أن التجاهل بكل أنواعه جزء لا يتجزأ من وسائل الانتصار على الطرف المعادي فانما أعني عدم الاستجابة أو التجاوب بأي أسلوب يحقق له التواجد والحضور في الأذهان، لأن الحضور في الساحة بين الأذهان والأفهام والفوز. وصاحب هذا البيت صادق في قوله: لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقال بدينار ومن واقع التفاعل العالمي وكثرة قنوات الاتصال وسهولة وامكانية ازدياد اتخاذ وسائل ايصال الصوت والصورة للاذى عبر الفضاء، فإن المجتمع وقيادته عليها مسؤولية جديدة وقديمة في وجودها وكنا نطبقها هنا في المملكة العربية السعودية وهي التجاهل الإعلامي، أي الانصراف للعمل ولا نلتفت للعدو أو نتابع نعيقه مهما كان غرضه.

فن التغافل والتغاضي

قيل إن الإمام ابن حنبل سُئل: «أين نجد العافية؟» فقال: «تسعة أعشار العافية في التغافل عن الزلات»، ثم قال: «بل هي العافية كلها». التغافل فن من فنون الحياة التي كنت أتمنى أن تعلمه المدارس كمهارة حياتية مفيدة للفرد والأسرة والمجتمع. فالمتغافل يا أصدقائي إنسان مرتاح ومريح لمن حوله، يرى الخطأ فيحسبه بسرعة كمبيوترية في دماغه ليتوصل لنتيجة أن المعادلة لا تسوى كل مرة وأن من الحكمة ترك هذه الزلة أو تلك تمر مرور الكرام وهو كأنه لم ير شيئاً. ولكن هذا التغافل فن لا يتقنه الكثيرون، فهو فن صعب ومعقد، يحتاج إلى ضبط النفس وحساب للعواقب، ولذا فهو ليس بمهارة سهلة بل تحتاج إلى تدريب وتطوير لتصل للشكل المطلوب، فبعض الناس يولدون بمزاج متأنٍ، فيكون التجاهل موافقا لطبيعتهم. التغافل.. فن لا يتقنه إلا الأذكياء. أما أصحاب الأمزجة النارية أو «المجاكرة» فهم في حاجة ماسة لكورسات مكثفة في فن التجاهل. والتجاهل فن يقوم على حساب دقيق كما قلت فهو في ظاهره يمكن أن يبدو غباء أو غفلة، ولكنه في الحقيقة حكمة وصبر وذكاء وتخطيط، فليست كل هفوة تحتاج إلى تدخل، وليست كل زلة أيضا يمكن التغاضي عنها، ولذا فإن التغافل كما قلت يتوجب أن يضاف لكورس يسمى مهارات الحياة؛ ندرسه لطلابنا في المدارس مثله مثل إعداد الطعام أو الخياطة أو «الدي آي واي» وهو يشمل النجارة وتركيب الأثاث ودهن الحيطان وغيرها من الأعمال التي يحتاجها الإنسان كمهارات ليكون مستقلاً وعملياً.

ولكن الأستاذ أكمل المحاضرة بلا تعليق. وبعد انصراف الطلاب ذهبت لأسأله سؤالاً ثم قلت له: مؤسف ما حصل وذلك غير مقبول وهكذا. فقال لي: لا ولا يهمك. أنا تعودت على مشاغبة الطلاب. قلت له: أتسمح لي أن أسأل لأتعلم درساً منك، ألا تضايقك هذه التعليقات حتى بعد سنوات من خبرة التدريس الجامعي؟ فأنا أتوقع أنني من الصعب أن أتعود على هذا النوع من النقد. فقال لي: «يا عزيزتي إن أردتِ أن تكوني ناجحة، يجب أن تتعلمي أنه ليس لديك وقت لمثل هذه التفاهات، أنا أركز طاقتي ووقتي لما يفيدني وليس لما يضايقني ويحزنني». وفعلا ما زلت أذكر هذه الكلمات وأردد بيني وبين نفسي المثل الذي رددناه ونحن صغار: طنش، تعش، تنتعش. تمنياتي لكم بيوم منتعش.