* * * القول في تأويل قوله: قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا (77) قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " قل متاع الدنيا قليل " ، قل، يا محمد، لهؤلاء القوم الذين قالوا: رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ =: عيشكم في الدنيا وتمتعكم بها قليل، لأنها فانية وما فيها فانٍ (23) = " والآخرة خير " ، يعني: ونعيم الآخرة خير، لأنها باقية ونعيمها باق دائم. وإنما قيل: " والآخرة خير " ، ومعنى الكلام ما وصفت، من أنه معنيٌّ به نعيمها - لدلالة ذكر " الآخرة " بالذي ذكرت به، على المعنى المراد منه = " لمن اتقى " ، يعني: لمن اتقى الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، فأطاعه في كل ذلك = " ولا تظلمون فتيلا " ، يعني: ولا ينقصكم الله من أجور أعمالكم فتيلا. * * * وقد بينا معنى: " الفتيل " ، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته ههنا. (24) ------------------- الهوامش: (13) انظر تفسير: "ألم تر" فيما سلف: 426 ، تعليق: 5 ، والمراجع هناك. (14) انظر تفسير: "إقامة الصلاة" فيما سلف من فهارس اللغة (قوم). (15) انظر تفسير "إيتاء الزكاة" فيما سلف من فهارس اللغة "أتى" "زكا".
وكذا والآخرة خير لمن اتقى أي المعاصي ؛ وقد مضى القول في هذا في " البقرة " ومتاع الدنيا منفعتها والاستمتاع بلذاتها وسماه قليلا لأنه لا بقاء له. وقال النبي صلى الله عليه وسلم مثلي ومثل الدنيا كراكب قال قيلولة تحت شجرة ثم راح وتركها وقد تقدم هذا المعنى في " البقرة " مستوفى.
فلهذا لم يؤمر بالجهاد إلا بالمدينة ، لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار ، ومع هذا لما أمروا بما كانوا يودونه جزع بعضهم منه وخافوا من مواجهة الناس خوفا شديدا ( وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب) أي: لو ما أخرت فرضه إلى مدة أخرى ، فإن فيه سفك الدماء ، ويتم الأبناء ، وتأيم النساء ، وهذه الآية في معنى قوله تعالى ( ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال [ رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم]) [ محمد: 20 ، 21]. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة وعلي بن زنجة قالا حدثنا علي بن الحسن ، عن الحسين بن واقد ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس: أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، فقالوا: يا نبي الله ، كنا في عز ونحن مشركون ، فلما آمنا صرنا أذلة: قال: " إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم ". فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال ، فكفوا. فأنزل الله: ( ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم [ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية]) الآية.