تفسير مثلهم كمثل الذي استوقد نارا

ذكر الله عز وجل في الآيات السابقة من قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 8]، إلى قوله: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 16] - دعوى المنافقين الإيمانَ كذبًا، ومخادعتهم وإفسادهم في الأرض، وزعمهم الإصلاح، ورميهم المؤمنين بالسفه واستهزائهم بهم، وردَّ عليهم في ذلك كله وبيَّن أنهم الذين اشتروا الضلالة بالهدى، فخسروا الصفقتين؛ فلم تربح تجارتهم، ولم يهتدوا للحق. تفسير قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ...}. ثم ضرب لهم ولما هم عليه من النفاق والحال السيئة مثَلينِ في هذه الآيات: أحدهما: ناريٌّ، فيه بيان عظم ما هم فيه من الظلمات والضلال والحيرة، والثاني: مائيٌّ، فيه بيان عظم ما هم فيه من الخوف. وضرب الأمثال في القرآن الكريم لتقريب المعاني، فَيُشبَّه أمر معنوي بأمر حسي، وقد يشبه أمر حسي بأمر حسي أوضح منه، وقد يشبه أمر معنوي بأمر معنوي أظهر منه، وكل ذلك بقصد الإيضاح والبيان. قوله تعالى: ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ [البقرة: 17، 18].

  1. تفسير قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ...}

تفسير قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ...}

استوقد: فعل ماض مبنيّ على الفتحة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «استوقد» لا محلّ لها من الإعراب لأنّها صلة الموصول. نارا: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. فلمّا: الفاء عطف مبنيّ على الفتح، «لمّا»: ظرف زمان مبنيّ على السكون في محلّ نصب، يتضمّن معنى الشرط. أضاءت: فعل ماض مبنيّ على الفتح، والتاء حرف للتأنيث مبنيّ على السكون، وفاعل «أضاءت» ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ما: اسم موصول مبنيّ على السكون في محلّ نصب مفعول به. وجملة «أضاءت» في محلّ جرّ بإضافة «لمّا» إليها. حوله: ظرف مكان منصوب بالفتحة الظاهرة، متعلّق بمحذوف صلة الموصول، وهو مضاف، والهاء ضمير متّصل مبنيّ على الضمّ في محلّ جرّ بالإضافة. ذهب: فعل ماض مبنيّ على الفتح لفظا. الله: لفظ الجلالة فاعل مرفوع بالضمّة الظاهرة. وجملة «ذهب الله» لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب شرط غير جازم. مثلهم كمثل الذي استوقد نارا. وجملة فعل الشرط وجوابه معطوفة على ما قبلها لا محلّ لها من الإعراب. بنورهم: الباء حرف جرّ مبنيّ على الكسر، و «نور» اسم مجرور بالكسرة الظاهرة، وهو مضاف، والجارّ والمجرور متعلّقان بـ «ذهب»، و «هم» ضمير متّصل مبنيّ على السكون في محلّ جرّ بالإضافة.

و الذي استوقد نارا مفرد مراد به مشبه واحد لأن مستوقد النار واحد ولا معنى لاجتماع جماعة على استيقاد نار ، ولا يريبك كون حالة المشبه حالة جماعة المنافقين ، كأن تشبيه الهيئة بالهيئة إنما يتعلق بتصوير الهيئة المشبهة بها لا بكونها على وزن الهيئة المشبهة فإن المراد تشبيه حال المنافقين في ظهور أثر الإيمان ونوره - مع تعقبه بالضلالة ودوامه - بحال من استوقد نارا. واستوقد بمعنى أوقد فالسين والتاء فيه للتأكيد كما هما في قوله تعالى فاستجاب لهم ربهم وقولهم: استبان الأمر وهذا كقول بعض بني بولان من طي في الحماسة. نستوقد النبل بالحضيض ونصـ ــطاد نفوسا بنت على الكرم أراد وقودا يقع عند الرمي بشدة. وكذلك في الآية لإيراد تمثيل حال المنافقين في إظهار الإيمان بحال طالب الوقود بل هو حال الموقد.