الدرر السنية

فمنِ اشتغلَ بالعبادة في الهَرْج كانَ له أجرٌ يُشْبِهُ أجرَ المهاجرِ في سبيلِ الله إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلَّم. وليس المعنى أنّ له كَأَجرِ المهاجرِ تمامًا إنّما يُشْبِهُهُ، يُشبهُ أجرَ مَنْ هاجرَ في الصّحراء وتحمَّل وعْثَاءَ السَّفرِ وأعباءَ الرَّحيلِ ومشقّاتِ الطّريق طاعةً للهِ ولرسوِله. فأيُّ خَيْرٍ وأيُّ أجرٍ وأيُّ فَضْلٍ هذا الفضلُ العظيمُ الذي ينالُه ويحوزُه مَنْ تشاغَلَ بالعبادةِ في تلك الحال وتركَ ما تشاغَلَ كثيرٌ منَ الناسِ بهِ وهو الهرجُ المذمومُ الذي نُهِينَا عنه. فقد قال اللهُ تعالى لحبيبه النبيِّ المصطفى صلى الله عليه وسلّم: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [سورة الحجر: 99]. أي دُمْ على عبادةِ ربِّكَ اللطيفِ الكريمِ الرحيمِ حتى يأتيَكَ اليَقين. واليقينُ هنا الموتُ لأنَّ العِلْمَ بِوُقوعِ الموتِ يَقين لا يَمْتَرِي فيه عاقلٌ. الدرر السنية. والمعنى: اِشْتَغِلْ بالعبادةِ ما دُمْتَ حَيًّا، طالما أنت في مُدّةِ الجِناية. فاشغَلْ نفْسَكَ بالعبادة وإنْ نزلَ بكَ خَطْب أوِ اشتدَتْ بكَ النوائِب فأرِحْ نفسِك بالصلاة فإنها أفضَلُ العباداتِ بعدَ الإيمانِ باللهِ ورسولِه. فقد روى أحمدُ في مُسندِه عن حُذَيفةِ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم كان إذا حَزَبَهُ أمرٌ صَلَّى، ومعنى حَزَبَهُ أي نَابَه واشتَدَّ عليه.

الدرر السنية

اللهم إنا نسألك في هذه الساعة أن تخذل المجوس أينما كانوا، ومن يريد بنا وبديننا وبلادنا سوءًا، اللهم أعْمِ بصائرهم وأبصارهم، اللهم انصر جنودنا، اللهم سدِّد وليَّ أمرنا. وصلوا وسلموا على البشير النذير.

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدهُ ونستعينهُ ونَستهديه ونشكرهُ ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفُسِنا ومنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فهُو المُهتد ومَنْ يُضْلِلْ فلَن تجِدَ له وليِّاً مُرْشِداً، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريك له ولا مَثيلَ له ولا ضَدَّ ولا نِدّ له، وأشهدُ أن سيدَنا وحبيبنَا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرةَ أعيُننا محمّداً عبدهُ ورسولُه وصفيُّه وحبيبهُ صلَّى الله على سيِّدِنا محمّدٍ وعلى كُلِّ رسولٍ أرسلَه, اما بعدُ عبادَ الله، فإني أوصيكُم ونفسي بِتَقوى الله ِالقائلِ في مُحك كتابِه (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) سورة الحجر ءاية 99. رَوى مُسْلمٌ عن مَعْقِلِ بنِ يَسار رضي الله عنه أن رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال (العِبادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إليَّ). اعلَمُوا معشرَ المؤمنين أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قد خَلَقَنا وأَوْجَدَنا في هذه الدُّنيا الفَانية الزائلةِ لِحِكْمَةٍ عظيمةٍ بالِغَة، خَلَقَنا سبحانَه لِنَعْبُدَهُ وحدَه ولا نُشْرِكَ بهِ شيئا، لِنُطِيْعَه فيما أمرَ بِه ونَنتهيَ عمّا نَهَى عنه لأنه سبحانه وتعالى يَسْتَحِقُّ أنْ يُطاعَ فهو الآمِرُ فلا ءامِرَ له وهو النَّاهي فلا ناهيَ له قالَ الله (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ) سورة الذاريات ءاية 56 – 57.