تفسير سورة الرحمن - تفسير قوله كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ

وقال الحُلَيميُّ: «﴿ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾: ومعناه المُستَحِقُّ لأنْ يُهابَ لسُلطانِهِ، ويُثْنى عليه بما يليقُ بعلوِّ شأنِهِ. وهذا قَدْ يَدْخُلُ فِي باب الإثباتِ على معنى: إِنَّ للخَلق رَبًّا يَستحِقُّ عليهم الإجْلالَ والإكرامَ، ويدخل فِي بابِ التوحيدِ على معنى أَنَّ هذا الحقَّ ليس إلا لمستحِقٍّ واحدٍ» [9]. الباحث القرآني. وقال فِي المَقْصِد: «﴿ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾: هو الذي لا جَلالَ ولا كمالَ إلا وهو له، ولا كرامةَ ولا مَكْرُمةَ إلا وهي صادِرَةٌ منه. فالجلالُ له فِي ذاتِهِ، والكرامَةُ فائضةٌ منه على خَلْقه، وفنونُ إكرامِهِ خلقَهُ لا تكادُ تنحصِرُ وتتناهى، وعليه دلَّ قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70]» اهـ [10]. وقال القُرطبيُّ: «فمعنى جلالِه: استحقاقُه لوصْفِ العظَمةِ ونَعْتِ الرِّفَعةِ، والمتعالي عزًّا وتكبُّرًا وتنزُّهًا عن نعوتِ الموجوداتِ، فجلالُه إذًا صفةٌ اسْتَحقَّها لذاتِهِ» [11]. وقال السعديُّ: «﴿ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾؛ أي: ذو العظَمةِ والكبرياءِ، وذو الرَّحمةِ والجُودِ والإحسانِ العامِّ والخاصِّ، المَكْرُمةِ لأوليائِهِ وأصفيائِهِ الذين يُجلُّونه ويُعظمونه ويحبُّونه» [12].

الباحث القرآني

فالموت حقيقة لا مراء ولا شك فيها ، فكلما فررتَ منه لم تبعدْ عن ملاقاته، ومهما تحصًّنت منه بحصون منيعة؛ لم تمنع وصوله إليكَ.. ، وعنه قال الله تعالى: " قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ". (الجمعة: 8)، وقال الله تعالى: "أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ". (النساء: 78). فالموت كما الحياة، حقيقة خضع لها كل الجبابرة, كي يعلم الناس قدرة ربهم، وقيوميته. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الرحمن - الآية 26. قال الله سبحانه: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ". (الملك:2). قال قتادة: "أنبأ بما خلق، ثم أنبأ أن ذلك كله فان"، فقال: ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (26)، (27) (الرحمن). فليس أحدٌ بناجٍ من الموت. قال الله سبحانه: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (آل عمران: 185)، وقال الله تعالى: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ". (العنكبوت: 57). أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم الخطبة الثانية ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) قال الله تعالى: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ".

القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الرحمن - الآية 26

النسائي وقال الشيخ الألباني: صحيح وعن معاذ بن جبل قال سمع النبي صلى الله عليه و سلم رجلا يدعو يقول اللهم إني أسألك تمام النعمة فقال أي شيء تمام النعمة ؟ قال دعوة دعوت بها أرجو بها الخير قال فإن من تمام النعمة دخول الجنة والفوز من النار وسمع رجلا وهو يقول يا ذا الجلال والإكرام قال: استجيب لك فسل وسمع النبي صلى الله عليه و سلم رجلا وهو يقول اللهم إني أسألك الصبر فقال سألت الله البلاء فسله العافية. رواه الترمذي وقال حديث حسن و قال الشيخ الألباني: ضعيف استجيب لك فسل: أي ما تريد وفيه دليل على أن استفتاح الدعاء بقوله الداعي يا ذا الجلال والإكرام يكون سببا في الإجابة وفضل الله واسع.

خطبة عن الموت ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) - خطب الجمعة - حامد إبراهيم

ولما أخبر عن تساوي أهل الأرض كلهم في الوفاة ، وأنهم سيصيرون إلى الدار الآخرة ، فيحكم فيهم ذو الجلال والإكرام بحكمه العدل القرطبى: ويبقى وجه ربك أي ويبقى الله ، فالوجه عبارة عن وجوده وذاته سبحانه ، قال الشاعر: قضى على خلقه المنايا فكل شيء سواه فاني وهذا الذي ارتضاه المحققون من علمائنا: ابن فورك وأبو المعالي وغيرهم. وقال ابن عباس: الوجه عبارة عنه كما قال: ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وقال أبو المعالي: وأما الوجه فالمراد به عند معظم أئمتنا وجود الباري تعالى ، وهو الذي ارتضاه شيخنا. ومن الدليل على ذلك قوله تعالى: ويبقى وجه ربك والموصوف بالبقاء عند تعرض الخلق للفناء وجود الباري تعالى. وقد مضى في ( البقرة) القول في هذا عند قوله تعالى: فأينما تولوا فثم وجه الله وقد ذكرناه في ( الكتاب الأسنى) مستوفى. قال القشيري: قال قوم هو صفة زائدة على الذات لا تكيف ، يحصل بها الإقبال على من أراد الرب تخصيصه بالإكرام. والصحيح أن يقال: وجهه وجوده وذاته ، يقال: هذا وجه الأم ووجه الصواب وعين الصواب. وقيل: أي يبقى الظاهر بأدلته كظهور الإنسان بوجهه. وقيل: وتبقى الجهة التي يتقرب بها إلى الله. ذو الجلال الجلال عظمة الله وكبرياؤه واستحقاقه صفات المدح ، يقال: جل الشيء أي عظم وأجللته أي عظمته ، والجلال اسم من جل.
فالجبال تدك، والأشجار والأحجار تذهب، والجن والإنس يموتون، والحيوانات تموت، ما يبقى شيء، إلا الله جل في علاه. وقال السعدي: {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} أي: ذو العظمة والكبرياء والمجد، الذي يعظم ويبجل ويجل لأجله، والإكرام الذي هو سعة الفضل والجود، والداعي لأن يكرم أولياءه وخواص خلقه بأنواع الإكرام، الذي يكرمه أولياؤه ويجلونه، ويعظمونه ويحبونه، وينيبون إليه ويعبدونه، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رسُولُ الله: ألِظُّوا بـ " يَا ذا الجَلاَلِ والإكْرامِ ". رواه الترمذي ، ومعناه: الزَمُوا هذِهِ الدَّعْوَةَ وأكْثِرُوا مِنْهَا وداوموا عليها. وفي صحيح مسلم عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا وَقَالَ: « اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ». قَالَ الْوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ – وَهُوَ أحَدُ رواة الحديث – كَيْفَ الاِسْتِغْفَارُ قَالَ: تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ. وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ « يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ».