أصول الولاية في الإسلام من خطبة الصديق رضي الله تعالى عنه للشيخ ابن باديس لما بويع لأبي بكر الصديق- رضي الله عنه- بالخلافة رقي المنبر، فخطب في الناس خطبة اشتملت على أصول الولاية العامة في الإسلام، مما لم تحققه بعض الأمم إلا من عهد قريب، على اضطراب منها فيه. وهذا نص الخطبة: (يا أيُّها الناس، قد وُلِّيت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حقٍّ فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسدِّدوني. أطيعوني ما أطعتُ الله فيكم، فإذا عصيتُه فلا طاعة لي عليكم. ألا إنَّ أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحقَّ له، وأضعفكم عندي القويُّ حتى آخذ الحقَّ منه. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم). الأصل الأول: لا حقَّ لأحد في ولاية أمر من أمور الأمة إلا بتولية الأمة، فالأمة هي صاحبة الحق والسلطة في الولاية والعزل، فلا يتولَّى أحد أمرها إلا برضاها، فلا يورث شيء من الولايات، ولا يستحقُّ الاعتبار الشخصي. وهذا الأصل مأخوذ من قوله: (وُلِّيت عليكم) أي: قد ولَّاني غيري، وهو أنتم. وليت عليكم ولست بخيركم. الأصل الثاني: الذي يتولَّى أمرًا من أمور الأمة هو أكفؤها فيه، لا خيرها في سلوكه. فإذا كان شخصان اشتركا في الخيرية والكفاءة، وكان أحدهما أرجح في الخيرية، والآخر أرجح في الكفاءة لذلك الأمر- قُدِّم الأرجح في الكفاءة على الأرجح في الخيرية، ولا شكَّ أنَّ الكفاءة تختلف باختلاف الأمور والمواطن، فقد يكون الشخص أكفأ في أمر وفي موطن؛ لاتصافه بما يناسب ذلك الأمر، ويفيد في ذلك الموطن، وإن لم يكن كذلك في غيره فيستحق التقديم فيه دون سواه.
الأصل السابع: حقُّ الأمة في مناقشة أولي الأمر، ومحاسبتهم على أعمالهم، وحملهم على ما تراه هي، لا ما يرونه هم، فالكلمة الأخيرة لها لا لهم، وهذا كلُّه من مقتضى تسديدهم وتقويمهم، عندما تقتنع بأنهم على باطل، ولم يستطيعوا أن يقنعوها أنهم على حقٍّ. وهذا مأخوذ أيضًا من قوله: (وإن رأيتموني على باطل فسدِّدوني). الأصل الثامن: على من تولَّى أمرًا من أمور الأمة أن يبيِّن لها الخطَّة التي يسير عليها؛ ليكونوا على بصيرة، ويكون سائرًا في تلك الخطَّة عن رضى الأمة. أقوال السلف والعلماء في الصدق - موسوعة الأخلاق - الدرر السنية. إذ ليس له أن يسير بهم على ما يرضيه، وإنَّما عليه أن يسير بهم فيما يرضيهم، وهذا مأخوذ من قوله: (أطيعوني ما أطعت الله فيكم). فخطته هي طاعة الله، وقد عرفوا ما هو طاعة الله في الإسلام. الأصل التاسع:... مأخوذ من قوله: (أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم). فهم لا يطيعونه هو لذاته، وإنما يطيعون الله باتِّباع الشرع الذي وضعه لهم، ورضوا به لأنفسهم، وإنما هو مكلف منهم بتنفيذه عليه وعليهم، فلهذا إذا عصى وخالف لم تبقَ له طاعة عليهم. الأصل العاشر: الناس كلُّهم أمام القانون سواء، لا فرق بين قويِّهم وضعيفهم، فيطبق على القوي دون رهبة لقوته، وعلى الضعيف دون رِقَّة لضعفه.
وهل كانت هذه الأصول معروفة عند الأمم فضلًا عن العمل بها؟ كلا! بل كانت الأمم غارقة في ظلمات من الجهل والانحطاط، ترسف في قيود الذلِّ والاستعباد، تحت نير الملك ونير الكهنوت، فما كانت هذه الأصول- والله إذن- من وضع البشر، وإنما كانت من أمر الله الحكيم الخبير. من فضائل أبي بكر رضي الله عنه - إسلام ويب - مركز الفتوى. نسأله- جل جلاله- أن يتداركنا ويتدارك البشرية كلَّها بالتوفيق للرجوع إلى هذه الأصول، التي لا نجاة من تعاسة العالم اليوم إلا بها. -------------------------------- اختيار موقع الدرر السنية: المصدر: كتاب آثار ابن باديس- إعداد دكتور عمار الطالبي، الناشر الشركة الجزائرية- الطبعة الثالثة 1417هـ، المجلد الثاني – الجزء الأول ص 401 بتصرف