ياس خضر مرينا بيكم حمد

لاحظ النواب الذي بدأ حياته مهتمًّا بكتابة الشعر على قصاصات ورقية متناثرة أن دموع البدوية تنهمر على خديها، بل وتغيّر وجهها عند وصول القطار إلى قرية أم الشامات، وخاصة أنها بدأت تلتصق بالنافذة أكثر وتحدّق ببيوتها وأشجارها وأناسها. دفع الفضول النوابَ لسؤال البدوية عن سبب بكائها، لتحكي له، أن قصة حب جمعتها بابن عمها "حمد" إلا أن الأعراف العشائرية لا تسمح لهما بالزواج بسبب شيوع الخبر في القرية التي ترى الحب منافيًا للقيم العشائرية. ثم هربت الفتاة من القرية بعد أن سمعت نية أهلها بقتلها، خاصة أن الألسن بدأت تلوك سيرتها وراح القاصي والداني يعيّر أهلها بالقصة، وكثر القيل والقال. ورغم قساوة حياة التشرد في النصف الأول من القرن العشرين، لم يهتزّ عشق البدوية لحبيبها، ولم تنس تفاصيل قريتها، فكانت بين الحين والآخر ولشدة شوقها وحنينها لأهلها وقريتها تلبس جلبابها، وتركب القطار المارّ من أمام قريتها متستحضرة ذكريات طفولتها. حرّكت القصة شجون العراقي الشاب وكانت بواكير شعره قد بدأت بالنضوج، فكتب أبياتاً متقطعة تصف المشهد الدرامي، ثائرًا على العادات البالية والتقاليد المجحفة، في وقت لايجرؤ شاعر على تناول مثل هذه القضايا ووذكرِ اسم المحبوب تصريحًا، يقول -وحرف القاف يُلفظ هنا كافاً مخفّفة بحسب لهجة أهل العراق والخليج العربي عموماً: "مرينا بيكم حمد واحنا بقطار الليل وسمعنا دق قهوة وشمينا ريحة هيل يا ريل صيحة بقهر صيحة عشق يا ريل هودر هواهم ولك حدر السنابل قِطا".

  1. مرينا بيكم حمد ياس خضر

مرينا بيكم حمد ياس خضر

ستوري مرينا بيكم حمد واحنه بقطار اليل 😇❤️ - YouTube

و"الريل" هو القطار بلهجة جنوبي العراق، و"هودر" أي ذَهَبَ، أما "حدر السنابل قِطا": أي على رسلك أيها القطار فهناك تحت السنابل طيور (القَطا). والقطا/ القطاة، طائر معروف يكثر ذكره في شعر العرب. القصيدة طويلة يبدؤها بلسان البدوية التي تعبّر عن حبها وحنينها للقرية وساكنيها، لكن الغريب وغير المتوقع أن النواب كتب بعض أبياتها عام 1956، ثم أكملها بعد ثورة تموز عام 1958. ويقول مظفر في إحدى مقابلاته المتلفزة: "أخذ أحد الأصدقاء القصيدة دون علمي من دفتري وأعطاها للأستاذ "علي الشوك" الذي تلقّفها بكل ترحيب وإعجاب، ثم وجدتُها منشورة في مجلة المثقف اليسارية العراقية، وكانت قد أحدثت ثورة آنذاك".