" عش ماشئت فإنك ميت، وأحبِب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مَجْزِيٌّ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعِزُّه استغناؤه عن الناس" لا تعتقد أنّك معنيٌّ أبدًا، وتظنُّ بأنّك بعيدٌ عن فداحة الأقدار، فكلّ ما يحدثُ خارجًا لا يَمَسَك، أنت الفوقيُّ عن الألم، وكلّ الأذى لا يصُيب سوى الآخرين و يطالهم، فينالهُم -أحيانًا- دعاؤك العابر. نرى الألم في كل مكان، في تقاسيم أطفال الحروب، في وجه غريبٍ كادحٍ تحت أشعة الشمس، وفي ركضات الخائفين المذعورين من القصف، وفي أولئك الذين أُجبروا على ترك منازلهم… ولكننا لا نراهُ يصيبنا، ونعتقد أيّّما اعتقاد بأنه بعيدٌ جدًا عنّا. ولكن، ماذا لو عُكست الأدوار! و أصابك القدر بكلّ ما ظننت أنّك في منأىً عنه، فحالُنا متبدل حيث لا سرورٌ دائم ولا حزنٌ دائم! عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه – صله نيوز. "وَلا حُزنٌ يَدومُ وَلا سُرورٌ وَلا بُؤسٌ عَلَيكَ وَلا رَخاءُ" وأنا فقدتُ روحي قبل أن أعي بأنّي فقدتها، وهذا الابتلاء الذي أصابني في فقد ابني جعلني أفكّر طويلًا في الكتابة، فما مررتُ به أكبر من طاقتي، وهذا الحزن الكبير جدًا أحاطني كغيمة، وكأني من فرط شدّته فقدتُ السيطرة عليه. مراحل الحزن الخمسة حدد كيوبلر روس خمسة مراحل للحزن تساعدنا على فهم مشاعرنا بالطريقة الصحيحة، وهذه المراحل قد نمرُّ بها جميعًا وقد لا نمر بها، وهذا ما تحدده طريقة تعاملنا مع الحزن في مراحل سابقة من حياتنا، فكلٌّ له طريقته الخاصة في التعبير عن مشاعره وتحديدًا تلك المشاعر الناتجة عن المواقف السلبية مثل الصدمات والمصائب.
(٤) الاكتئاب بعد الأسبوع الأول من فقد ابني قام زوجي ومن حولي بحثي على الخروج للتخفيف من هذه الدائرة الحزينة، وكل ما أتذكره هو بأني في وسط المطعم المزدحم أبكي بشكل مفاجئ بعد أن ظننت بأنّي على مايرام، ولكنّي حينها من عمق حزني باتت تنتابني مشاعر غريبة وفي أوقات متفرقة دون أن يكون لي القدرة على السيطرة عليها أو تحاشيها. الآن أعرف بأني كنت أمر بهذه المرحلة، وما عرفته في هذه المرحلة بأن المرء قد يكون فيها منعزلًا جدًا مشاعريًا عن من حوله حتى لو كان معهم. وقفة مع حديث: (يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت). (٥) التقبل التقبل لا يعني انعدام الحزن والألم، ولكنّه يعني تقبل العيش معهما.. فالألم الناتج عن الفقد قد لا يزول تمامًا، ولكنّه مع الوقت سيبقى رفيقًا يمكنك أن تعيش معه، وإن خلّف ندوبًا فإنها حتمًا من سيجعلك شخصًا مختلفًا وأكثر نضجًا جراء ما مررت به. لا يمر الجميع بهذه المراحل كلّها، وقد لا يتعرض لها بنفس الترتيب المطروح، فكما ذكرت سابقًا بأن طرق تعاملنا مع الحزن تختلف من شخص لآخر بحسب تعاطيه مع أمور حياته، وما واجهه سابقًا من ألم وكيف تعامل معه. العزاء يعدُّ العزاء ومواساة الفاقد من أهم ما حثّ عليه الدين وحرص عليه المجتمع ، فالدعاء ومشاركة الحزن من أكثر الأمور التي تعيد للمرء هدوئه أثناء المصيبة، وما مررتُ به جعلني بطريقةٍ ما أتفهم بأنّه ولو كثر المعزين -بنواياهم الطيبة- للتخفيف عنك، إلا أنهم ليسوا جميعًا يمتلكون القدرة على مواساتك بطريقة صحيحة، حيث يعزيك بعضهم بطريقة خاطئة وتعبيرات لا يصح ذكرها في وقت العزاء والمصيبة لمن فقد عزيزًا ، فلا يجوز مثلًا أن تحث أمٍ فقدت طفلها حديثًا على الفرح وعدم الحزن لأنه طيرًا لها وشفيعًا بإذن الله، أو أن تسأل عن كيفية موت الشخص لدى أهله في وقت العزاء.
(١) الإنكار في البدء ينتاب الإنسان حالة من عدم التصديق حول ما وقع عليه من ألم كألم الفقد، فيسعى عقله جاهدًا إلى إنكار ما يحدث له وذلك بتقليل هذا الألم الناتج عن الخسارة، وهذه المرحلة تستغرق وقتًا لدى بعض الأشخاص حيث أنهم يتسائلون مرارًا: كيف يمكنني المضي في حياتي بدون هذا الشخص؟ ، والحقيقة فإن مرحلة الإنكار تعني محاولة تجاهل كل المشاعر القاسية والمؤلمة الناتجة عن الفقد. (٢) الغضب يعتبر الغضب من أولى المشاعر التي تنطلق تحديدًا بعد تقبل الخسارة والفقد، وأنا شخصيًا مررت بها متسائلة مرارًا: "لماذا رحل ابني؟ لقد كان سليمًا معافى كيف له أن يصاب بالمرض بشكل مفاجئ؟ هناك أمهات كثر مرّوا في ذات الوضع وخرج أبناءهم وكبروا في أحضانهم ولكني فقدت ابني. عش ماشئت فانك ميت واحبب من شئت فانك مفارقه واعمل ما شئت فانك ملاقيه - مجتمع الحلول. " إن مشاعري هذه كانت مليئة بالإنكار والغضب ولكنها مشاعر حقيقية ومن الصحي جدًا التعبير عنها بالشكل الصحيح وعدم كبتها إطلاقًا، وأنا أعلم مرارًا بأن هناك فئة تناضل التعبير عن الحزن في حالات الفقد مدعيةً بأنّ ذلك من الصبر على المصائب ولكنّ ذلك غير صحي أبدًا والتعبير عنها لا ينافي الصبر عند المصائب. (٣) المساومة بطبيعة الحال حينما نشعر بأننا على وشك فقد من نحب نحاول بشكلٍ ما عقد هدنة لتعيد لنا ما فقدناه أو ما نوشك على فقده، كأن نعقد النذور مرارًا، ونعِدُ الخالق بأننا سنصبح أشخاصًا أفضل ونطيعه بطريقة أفضل حينما يعيد لنا من فقدناه أو يشفي عزيزنا المتألم،وهذا يعني بأننا سنقوم بأي طريقة كانت في سبيل تحقيق غايتنا وتجنب الخسارة، وغالبًا تأتي هذه المرحلة حينما نبدأ بالاستيعاب بأن ما يحدث لنا خارجًا عن إرادتنا، ولا يوجد في أيدينا ما يمكن عمله، فتساعدنا المساومة على الإحساس بأننا نسيطر على شيء خارج عن السيطرة!
ومنها: أن يهتم المؤمن للرفيق الذي لا يفارقه في الدنيا والآخرة وهو عمله الصالح ونستكمل الحديث في لقاء قادم إن شاء الله الدعاء
روى الترمذي في سننه من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم" [5]. وقوله: "وعزه استغناؤه عن الناس"، العزة مطلب لكل نفس أبية، وإن من أعظم أسباب نيل العزة: التعلق بمن العزة بيده سبحانه، وترك التعلق بمن دونه ممن لا يزيد التتعلق بهم إلا ذلًا وهوانًا. قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8]. وقال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ [فاطر: 10]. وقال تعالى: ﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 138، 139]. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده، فقال: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر" [6].
وهنا لا يسعني سوى أن أشارككم مدونة أروى العمراني، التي ذكرت فيها تفصيلًا ( كيف أواسي في العزاء؟) – اضغط على العنوان بين القوسين. التواصل وأهمية التعبير أدين هنا لزوجي وعائلتي وصديقاتي وبدور! زوجي الذي شاركني الطريق والألم والفقد والذي لازال يحثني على التعبير بشكل دائم، وعائلتي التي حزنت لحزني وتألمت لألمي وحاولت بطريقتها الخاصة انتشالي من وجعي، وصديقاتي بتواصلهن الدائم وقلوبهن المفتوحة لاحتضاني حيث ساعدوني مرارا على التعبير ووقفوا بجانبي وقوفًا لا أستطيع نسيانه لهن، وبدور التي جمعتني بها مرارة التجربة، حيث شاركتني على تويتر تجربتها في الفقد وأصبحت محادثتها ملاذًا للتعبير عن مشاعري لأني أعلم بأنها تتفهم كل ذلك. ساعدني التواصل الدائم معهم والتعبير على الشعور بالرضا لما وقع علي والتسليم بهذا الواقع، ولكنّي أعلم بأن الكلام ليست الطريقة الوحيدة للتعبير عن الحزن والألم، فبعد الاستشارة أخبرتنا الدكتورة بأن كل شخص لديه طريقته المناسبة للتعبير عن حزنه مثل الفضفضة أو الكتابة أو الرسم وغيره، ويجب عليه في هذا الوضع أن يوظفها لمساعدته في فقده. وهنا أرفق ما أرسلته لنا للتعامل مع الحزن.. ومن أهم ما قرأته بعد فقدان ابني مباشرة هو هذا الكتيب الذي ساعدني على فهم الحزن الناتج عن فقدان طفلي، وطريقة التعبير الخاصة بكلا الوالدين وتواصلهما مع بعضهما البعض والآخرين.