ففعل وعرفني إليهم وترجم لهم مقالة (يا شباب العرب) وكان يحملها. فكأنما رماهم منها بالجيش والأسطول. ثم قلت لكبيرهم: لست أنكر أن الإنجليزي لو دخل جهنم لدخلها إنجليزيا.. ولا أجحد أن له في الحياة مثل هداية الحيوان لأنه رجل عملي دليل منفعته أنها منفعته وحَسْبُ، ثم لا دليل غير هذا ولا يقبل إلا هذا. نكته مضحكه جدا جدا. فإذا قال الشرقي (حقَي) وقال الإنجليزي (منفعتي) بطلت كل الأدلة، ورأى الشرقي أنه مع الإنجليزي كالذي يحاول أن يقنع الذئب بقانون الفضيلة والرحمة وقد عرفنا أن في السياسة عجائب منها ما يشبه أن يلقي إنسان إنسانا فيقول له: يا سيدي العزيز، بكل احترام أرجو أن تتلقى مني هذه الصفعة.... وفي السياسة مواعيد عجيبة: منها ما يشبه غرس شجرة للفقراء والمساكين والتوكيد لهم بالإيمان أنها ستثمر رُغفاناً مخبوزة.... ثم بعد ذلك تطعَّم فتثمر الرغفان المخبوزة حشوُها اللحم والاِدام وفي السياسة محاربة المساجد بالمراقص، ومحاربة الزوجات بالمومسات، ومحاربة العقائد بأساتذة حرية الفكر، ومحاربة فنون القوة بفنون اللذة. ولكن لو فهم الشباب أن أماكن اللهو في كل معانيها ليست إلا غدراً بالوطن في كل معانيه! ولو عرف الشباب أن محاربة اللهو هي أول المعركة السياسية الفاصلة!
فاسمع حديثي فإنه عجب... يضحك من شرحه وينتحب إن سبب شقائي أدبي وأبي وأمي والمال. ذهبت منذ 11 سنة إلى بيروت، ودخلت مدرسة فيها، وأقمت أربعة أعوام. ثم جئت والدي وقلت له إني لم أظفر في هذه المدرسة بما تمنيته. فابعث بي إلى فرنسا أو سويسرا كي أتم ما ابتدأت به، وكي أتحلى بالعلم والفضل. فأكون فخراً لك. فاستحقر هذا الوالد مطلبي وأنكره. وأبى أن يوصلني إلى أمنيتي، وأراد أن أرى الدنيا بعينه وأنا لا أريد غلا أن أراها بعيني. وبغى أن أذر العلم وأدير أعماله وقراه. وبغيت أن أكمل تحصيلي، حتى إذا كمل اهتممت بأشغاله. وقلت له أن غلاماً صغيراً عمره (17) سنة ليس من العدل ولا العقل أن تميله عن الدرس وتقسره على العمل. مجلة الرسالة/العدد 186/من هنا وهناك - ويكي مصدر. فلم يحفل بقولي ولا بمطلبي. وأخذ يضغط علي ويشد. ويريد أن يخلقني بأخلاقه. وأنا كلما ازداد ضغطه ازداد عنادي وإصراري على رأيي. فأنا ووالدي منذ سبع سنين في نضال وجدال، وشغب وصخب، بسبب هذا المشكل الذي لم يحل حتى يومنا هذا. ولوالدي بمقاومتي في أمر العلم والأدب غير ذلك الضغط فصول مضحكة جداً منها أنه يذهب إلى الجرائد التي تنشر في القدس ويافا فيتضرع إلى أصحابها ألا ينشروا لي شيئاً. ومنها أن وكيل (الأهرام) جاءه سنة يطلب منه قيمة اشتراكه، فدفعها له وقال له اقطعوا الجريدة.