واذ قال ربك للملائكة اني جاعل

فأعلمهم ربهم أنه يعلم من الْحِكم والمصالح ما لا يعلمون. والمراد من هذا التذكير: المزيد من ذكر الأدلة الدالة على جود الله تعالى وقدرته وعلمه وحكمته الموجبة للايمان به تعالى ولعبادته دون غيره. يخبر تعالى فى معرض مظاهر قدرته وعلمه وحمته لعبادته دون سواه أنه علم آدم اسماء الموجودات كلها ، ثم عرض الموجودات على الملائكة وقال أنبؤني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين فى دعوى أنكم أكرم المخلوقات وأعلمهم فعجزوا وأَعْلَنُوا اعْتِرَافَهُم بذلك وقالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ثم قال تعالى لآدم أنبئهم بأسماء تلك المخلوقات المعروضة فأنبأهم بأسمائهم واحداً واحداً حتى القصعة والقُصَيْعة.. وهنا ظهر شرف آدم عليهم ، وَعَتَبَ عليهم ربهم بقوله: { ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون}. من هداية الآية: 1- بيان قدرة الله تعالى حيث علم آدم أسماء المخلوقات كلها فعلمها. 2- شرف العلم وفضل العالم على الجاهل. 3- فضيلة الاعتراف بالعجز والقصور. 4- جواز العتاب على من ادعى دعوى هو غير متأهل لها. واذ قال ربك للملايكه اني جاعل في الارض خليفه. 5- سؤال من لا يعلم غيره ممن يعلم. 6- عدم انتهار السائل وإجابته أو صرفه بلطف. 7- معرفة بدء الخلق.

ولكن لحرص هذا الإنسان وحبه للماديات والحياة أصبحت الأرض محطة صراعات أدت إلى الفساد وسفك الدماء.

وقال الحسن: إن الجن كانوا في الأرض يفسدون ويسفكون الدماء، ولكن جعل اللّه في قلوبهم الضمير في قلوبهم يعود على الملائكة لا على الجن فتنبه أن ذلك سيكون، فقالوا بالقول الذي علمهم. وقال قتادة في قوله {أتجعل فيها من يفسد فيها}: كان اللّه أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فذلك حين قالوا: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}؟. قال ابن جرير: وقال بعضهم إنما قالت الملائكة ما قالت {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} لأن اللّه أذن لهم في السؤال عن ذلك بعد ما أخبرهم أن ذلك كائن من بني آدم، فسألته الملائكة فقالت على التعجب منها: وكيف يعصونك يا رب وأنت خالقهم؟ فأجابهم ربهم {إني أعلم ما لا تعلمون}، يعني أن ذلك كائن منهم، وإن لم تعلموه أنتم ومن بعض ما ترونه لي طائعاً، قال، وقال بعضهم ذلك من الملائكة على وجه الاسترشاد عما لم يعلموا من ذلك، فكأنهم قالوا: يا رب خبرنا - مسألة استخبار منهم لا على وجه الإنكار - واختاره ابن جرير. وقوله تعالى: {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}، قال قتادة: التسبيح والتقديس الصلاة، وقال السدي عن ابن عباس {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}: نصلي لك. وقال مجاهد {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}، قال نعظمك ونكبرك.

بقلم: أ. د عوض بن خزيم آل مارد الأسمري عندما تنظر إلى الأرض من مكان بعيد في هذا الكون، فإنك تجدها نقطة صغيرة جدًّا مقارنة مع كواكب ونجوم ومجرات أخرى، عندها تدرك أنها صغيرة الحجم جدًّا ولا تتحمل هذه الصراعات الكبيرة التي تحصل فيما بين سكانها. لكنها في حقيقة الأمر كوكب خصب وأرض طيبة للتعاون والتصالح وعمل الخير. ولهذا أرسل الله أطيب وأشرف وأحب خلقه من ذرية آدم عليه السلام إلى سكان الأرض لتوجيههم وتقويمهم وتبليغهم رسالتهم الحقيقية التي خُلُقوا من أجلها. خلق الله أبانا آدم وأعطاه عقلًا عظيمًا، وجعله خليفة في الأرض وكلفه بحمايتها والاهتمام والإشراف على خيراتها ومقدراتها. يقول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: آية 30]. شاء الله سبحانه وتعالى أن تكون الأرض وما فيها من كنوز ونعم وخيرات وإمكانات تحت تصرف هذا الإنسان. بل جعل كل الموجودات تحت تصرفه لرجاحة عقله وكفاءة إدراكه.