القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة يس - الآية 9

وخرج [ عليهم] رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك ، وفي يده حفنة من تراب ، وقد أخذ الله على أعينهم دونه ، فجعل يذرها على رءوسهم ، ويقرأ: ( يس والقرآن الحكيم) حتى انتهى إلى قوله: ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) ، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته ، وباتوا رصداء على بابه ، حتى خرج عليهم بعد ذلك خارج من الدار ، فقال: ما لكم ؟ قالوا: ننتظر محمدا. قال قد خرج عليكم ، فما بقي منكم من رجل إلا [ قد] وضع على رأسه ترابا ، ثم ذهب لحاجته. فجعل كل رجل منهم ينفض ما على رأسه من التراب. قال: وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قول أبي جهل فقال: " وأنا أقول ذلك: إن لهم مني لذبحا ، وإنه أحدهم ".

إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة يس - قوله تعالى وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون - الجزء رقم11

وقيل: على هذا من بين أيديهم سدا أي: غرورا بالدنيا ، ومن خلفهم سدا أي: تكذيبا بالآخرة. وقيل: من بين أيديهم الآخرة ومن خلفهم الدنيا. فأغشيناهم أي: غطينا أبصارهم ، وقد مضى في أول [ البقرة]. وقرأ ابن عباس وعكرمة ويحيى بن يعمر " فأعشيناهم " بالعين غير معجمة ، من العشاء في العين ، وهو ضعف بصرها حتى لا تبصر بالليل. قال: متى تأته تعشو إلى ضوء ناره [ ص: 12] وقال تعالى: ومن يعش عن ذكر الرحمن الآية. والمعنى متقارب ، والمعنى أعميناهم ، كما قال: ومن الحوادث لا أبا لك أنني ضربت علي الأرض بالأسداد لا أهتدي فيها لموضع تلعة بين العذيب وبين أرض مراد فهم لا يبصرون أي الهدى ، قاله قتادة. وقيل: محمد حين ائتمروا على قتله ، قاله السدي. وقال الضحاك: وجعلنا من بين أيديهم سدا أي: الدنيا ، ومن خلفهم سدا أي: الآخرة. أي عموا عن البعث وعموا عن قبول الشرائع في الدنيا ، قال الله تعالى: وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم أي: زينوا لهم الدنيا ودعوهم إلى التكذيب بالآخرة. وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون تقدم في ( البقرة) والآية رد على القدرية وغيرهم. وعن ابن شهاب: أن عمر بن عبد العزيز أحضر غيلان القدري فقال: يا غيلان بلغني أنك تتكلم بالقدر ، فقال: يكذبون علي يا أمير المؤمنين.

وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا - ووردز

( وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) وعلى هذا فقوله تعالى: ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون). يكون متمما لمعنى جعل الله إياهم مغلولين ؛ لأن قوله: ( وجعلنا من بين أيديهم سدا) إشارة إلى أنهم لا ينتهجون سبيل الرشاد ، فكأنه قال: لا يبصرون الحق فينقادون له لمكان السد ، ولا ينقادون لك فيبصرون الحق فينقادون له لمكان الغل والإيمان المورث للإيقان. إما باتباع الرسول أولا فتلوح له الحقائق ثانيا ، وإما بظهور الأمور أولا واتباع الرسول ثانيا ، ولا يتبعون الرسول أولا ؛ لأنهم مغلولون فلا يظهر لهم الحق من الرسول ثانيا ، ولا يظهر لهم الحق أولا لأنهم واقعون في السد فلا يتبعون الرسول ثانيا.

إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة يس - قوله تعالى وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون - الجزء رقم11

وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وقوله: ( وجعلنا من بين أيديهم سدا): قال مجاهد: عن الحق ، ( ومن خلفهم سدا) قال مجاهد: عن الحق ، فهم يترددون. وقال قتادة: في الضلالات. وقوله: ( فأغشيناهم) أي: أغشينا أبصارهم عن الحق ، ( فهم لا يبصرون) أي: لا ينتفعون بخير ولا يهتدون إليه. قال ابن جرير: وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ: " فأعشيناهم " بالعين المهملة ، من العشا وهو داء في العين. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: جعل الله هذا السد بينهم وبين الإسلام والإيمان ، فهم لا يخلصون إليه ، وقرأ: ( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) [ يونس: 96 ، 97] ثم قال: من منعه الله لا يستطيع. وقال عكرمة: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا لأفعلن ولأفعلن ، فأنزلت: ( إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا) إلى قوله: ( [ فهم] لا يبصرون) ، قال: وكانوا يقولون: هذا محمد. فيقول: أين هو أين هو ؟ لا يبصره. رواه ابن جرير. وقال محمد بن إسحاق: حدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب قال: قال أبو جهل وهم جلوس: إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه كنتم ملوكا ، فإذا متم بعثتم بعد موتكم ، وكانت لكم جنان خير من جنان الأردن وأنكم إن خالفتموه كان لكم منه ذبح ، ثم بعثتم بعد موتكم وكانت لكم نار تعذبون بها.

القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة يس - الآية 9

وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته وباتوا رصداء على بابه حتى خرج عليهم بعد ذلك خارج من الدار، فقال: ما لكم؟ قالوا: ننتظر محمداً، قال: قد خرج عليكم، فما بقي منكم من رجل إلا وضع على رأسه تراباً، ثم ذهب لحاجته، فجعل كل رجل منهم ينفض ما على رأسه من التراب، قال: وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قول أبي جهل فقال: « وأنا أقول ذلك إن لهم مني لذبحاً وإنه لآخذهم ». تفسير الآيات ابن كثير: يقول تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ} هؤلاء المحكوم عليهم بالشقاء كمن جعل في عنقه غل، فجمعت يداه مع عنقه تحت ذقنه، فارتفع رأسه فصار مقمحاً، ولهذا قال تعالى: { فَهُمْ مُقْمَحُونَ} والمقمح هو الرافع رأسه، كما قالت أم زرع في كلامها: وأشرب فأتقمح، أي أشرب فأروى وأرفع رأسي تهنيئًا وتروًيا، واكتفى بذكر الغل في العنق عن ذكر اليدين وإن كانتا مرادتين، ولما كان الغل إنما يعرف في جمع اليدين إلى العنق اكتفى بذكر العنق عن اليدين. قال ابن عباس: هو كقوله عزَّ وجلَّ: { وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [الإسراء:29] يعني بذلك أن أيديهم موثقة إلى أعناقهم لا يستطيعون أن يبسطوها بخير، وقال مجاهد: { فهم مقمحون} قال: رافعي رؤوسهم وأيديهم موضوعة على أفواههم، فهم مغلولون عن كل خير، وقوله تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا} ، قال مجاهد عن الحق: { وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} عن الحق فهم يترددون، وقال قتادة: في الضلالات.

المسألة الثالثة: ذكر السدين من بين الأيدي ومن خلف ولم يذكر من اليمين والشمال ، ما الحكمة فيه ؟ فنقول: أما على قولنا: إنه إشارة إلى الهداية الفطرية والنظرية فظاهر ، وأما على غير ذلك ، فنقول بما ذكر حصل العموم والمنع من انتهاج المناهج المستقيمة ، لأنهم إن قصدوا السلوك إلى جانب اليمين أو جانب الشمال صاروا متوجهين إلى شيء ومولين عن شيء فصار ما إليه توجههم ما بين أيديهم فيجعل الله السد هناك فيمنعه من السلوك ، فكيفما يتوجه الكافر يجعل الله بين يديه سدا. ووجه آخر: أحسن مما ذكرنا وهو أنا لما بينا أن جعل السد صار سببا للإغشاء كان السد ملتزقا به وهو ملتزق بالسدين ، فلا قدرة له على الحركة يمنة ولا يسرة ، فلا حاجة إلى السد عن اليمين وعن الشمال ، وقوله تعالى: ( فأغشيناهم فهم لا يبصرون) يحتمل ما ذكرنا أنهم لا يبصرون شيئا ، ويحتمل أن يكون المراد هو أن الكافر مصدود ، وسبيل الحق عليه مسدود ، وهو لا يبصر السد ولا يعلم الصد ، فيظن أنه على الطريقة المستقيمة وغير ضال.