يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة

هذه عن الخطاب القرآني، فهل دخل المؤمنون المخاطبون في الآية في السلم كافة، أم أنهم خرجوا من السلم كافة! وأما المفارقة الغريبة والمحيرة كيف حصل في ظل وجود هذه الآية، كل هذا التاريخ الطويل والممتد من التنازع والتصادم والتعانف والتحارب بين المسلمين، وكأن هذه الآية لا وجود لها ولا أثر. في حين أن من يتعرف على هذه الآية، سوف يتوقع على مستوى التقدير ليس عدم وجود نزاعات وحروب بين المسلمين فحسب، بل لا يمكن أن تحصل مثل هذه النزاعات والحروب، بينما واقع الحال في الماضي والحاضر يحكي عن صورة مغايرة تماما، صورة يظهر فيها عالم المسلمين بأنه من أكثر العوالم ابتلاء بالنزاعات والحروب، الأمر الذي يضع هذه المفارقة وبلا توقف في دائرة التفكر والنظر! 3 1. a. b. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 208، الصفحة: 32. ادخلوا في السلم كافة … – مدرسة أهل البيت عليهم السلام. 2. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 104، الصفحة: 16. 3. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة اليوم، الأحد 13 ديسمبر 2015م، العدد 15521.

ادخلوا في السلم كافة … – مدرسة أهل البيت عليهم السلام

ولعل المقصود في الآية هو المعنى الأول، لأن الخطاب في الآية جاء بصيغة النداء ومتوجها إلى المؤمنين كافة، وأما المعنى الثاني فهو متحقق في الآية من جهة الإطلاق وعدم التقييد في الدعوة إلى السلم. خامسا: لا يكفي معرفة طريق الدخول في السلم، بل لا بد من معرفة الطريق المضاد المانع للدخول في السلم، ومن هنا نبهت الآية الكريمة إلى الحذر من إتباع خطوات الشيطان﴿ … وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ 1 ، واسعتمال الآية لكلمتي إتباع وخطوات فيها إشارة لإعطاء هذا الفعل وصف الطريق، فالذي يتبع خطوات الشيطان إنما يسلك طريقا مضادا للدخول في السلم. هذه هي الدلالة الأولى وتتصل بالاحتراز من هذا الطريق ابتداء، وهناك دلالة ثانية وتتصل بالاحتراز من هذا الطريق تاليا بقصد حماية السلم وتحصينه، فبعد الدخول في السلم تتأكد الحاجة إلى حمايته وتحصينه من جهة، وترسيخه وتعزيزه من جهة أخرى، ومن هنا نبهت الآية إلى الحذر من إتباع خطوات الشيطان. يضاف إلى ذلك أن الإشارة إلى خطوات الشيطان، فيها دلالة إلى أثر وتأثير العامل الداخلي بوصفه العامل الأشد تأثيرا في اختيار طريق الدخول في السلم، وفي الثبات على هذا الطريق.

وفي هذه الآية من الوعيد الشديد والتهديد ما تنخلع له القلوب، فالله يقول: هل ينتظر الساعون في الفساد في الأرض، المتبعون لخطوات الشيطان، النابذون لأمر الله إلا يوم الجزاء بالأعمال، الذي قد حشي من الأهوال والشدائد والفظائع، ما يقلقل قلوب الظالمين، ويحق به الجزاء السيئ على المفسدين. وذلك أن الله تعالى يطوي السماوات والأرض، وتنثر الكواكب، وتكور الشمس والقمر، وتنزل الملائكة الكرام، فتحيط بالخلائق، وينزل الباري تبارك تعالى { فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} ليفصل بين عباده بالقضاء العدل. فتوضع الموازين، وتنشر الدواوين، وتبيض وجوه أهل السعادة، وتسود وجوه أهل الشقاوة، ويتميز أهل الخير من أهل الشر، وكل يجازى بعمله، فهنالك يعض الظالم على يديه إذا علم حقيقة ما هو عليه 10. الفوائد المستفادة من الآيات: 1- وجوب قبول شرائع الإِسلام كافة وحرمة التخير فيها. 2- ما من مستحل حراماً، أو تارك واجباً إلا وهو متبع للشيطان في ذلك 11. 3- أصل الزلل الزلَق، أي اضطراب القدَم وتحركها في الموضع المقصود إثباتها به، واستعمل الزلل هنا مجازاً في الضُّر الناشئ عن اتباع الشيطان من بناءِ التمثيل على التمثيل؛ لأنه لما شبهت هيئة من يعمل بوسوسة الشيطان بهيئة الماشي على أثر غيره شبه ما يعتريه من الضر في ذلك المشي بزلل الرجل في المشي في الطريق المزلقة، وقد استفيد من ذلك أن ما يأمر به الشيطان هو أيضاً بمنزلة الطريق المزلقة على طريق المكنية 12.