وقد استعاذ الرسول ﷺ من الهم والغم والحزن، حيث إن الهم هو ما يشغل التفكير من أمور المستقبل والغم هو ما يشغله بسلبيات الحاضر والحزن هو الانشغال بآلام الماضي، وفي القرآن الكريم وفي عدة آيات يصف الله المؤمنين بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لا خوف من المستقبل ولا حزن على الماضي. وكأن ذلك الإيمان الذي يتغذى بالطاعات يشغل التفكير بالحاضر ومعطياته، عن الماضي الذي انتهى ولن نحاسب عليه عند التوبة والاستغفار، وعن المستقبل الذي تكفل به الله ووعد بأن من يعمل صالحاً من ذكر وأنثى وهو مؤمن فسيحييه حياة طيبة في الدنيا والآخرة، فنستغفر لما مضى وننهيه برضى تام ونوكل مستقبلنا إلى الله ونركز على الحاضر وما هو مطلوب منا حسب المعطيات الحاضرة الآن لنتفاعل بعمل صالح نافع للبشرية مع الإيمان. ولعل الآية التي عنونت بها المقال المذكورة في سورة الحديد (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) بعد أن عدد سبحانه عدة إيمانيات تخص القضاء والقدر والحياة الدنيا والآخرة، تؤكد بأن من صفات المؤمنين حقاً ألا يحزنوا على ما فاتهم ولا يفرحوا ويغتروا بوهم الزمن فيركزوا على لحظتهم الحالية بتجرد. Scatman — الشيخ الشعراوي الله يرحمه وهو بيفسر آية "لكيلا.... ختاماً: اللحظة الحالية كانت مستقبلا في الماضي!
[١٥] تعريف ابن أبي الإصبع المصري ماذا اشترط ابن أبي الإصبع في الكلام حتى يكون مقابلة؟ عرف ابن أبي الإصبع في كتابه تحرير التّحبير المقابلة على أنَّها: إتيان المتكلم بالألفاظ كما ينبغي لها، بحيث لو أتى باللفظة في صدر الكلام أتى بضدها في العجز، ويكون ذلك بالترتيب، وقد اشترط ابن أبي الإصبع الترتيب في المقابلة، فلو فسد هذا الشرط لفسدت المقابلة كلها، فعليه يجب أن يُقابل اللفظة الأولى من صدر البيت باللفظة الأولى من عجزه، وكذلك اللفظة الثانية بالثانية والثالثة بالثالثة وهكذا. [١٦] ومن ذلك قول الشاعر جرير: وباسِطَ خيرٍ فيكُمُ بيمينِه وقابِضَ شرٍّ عنكُمُ بشِمالِيا بذلك تكون المقابلة ما بين البسط والقبض والخير والشر وما بين عنكم وفيكم، وما بين اليمين والشمال. [١٦] تعريف جرمانوس فرحات ذكر جرمانوس فرحات في كتابه بلوغ الأرب في علم الأدب أنَّ المقابلة هي: أن يأتي ناظم الكلام بمعاني متعددة في صدر الكلام، ثم يأتي بعد ذلك بعدة معانٍ أخرى مضادة للكلام الأول أو غير مضادة له، ومن ذلك قول الشاعر: [١٦] لثمت ثغور الترب في عرصاتك كما لثمت قدمًا ثغور ترائبي ما الفرق بين المقابلة والطباق، الإجابة في هذا المقال: الفرق بين الطباق والمقابلة.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (بِمَا آتَاكُمْ)، فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز والكوفة (بِمَا آتَاكُمْ) بمدّ الألف، وقرأه بعض قرّاء البصرة ( بِما أتاكُمْ) بقصر الألف؛ وكأن من قرأ ذلك بقصر الألف اختار قراءته كذلك، إذ كان الذي قبله على ما فاتكم، ولم يكن على ما أفاتكم، فيردّ الفعل إلى الله، فألحق قوله: ( بِمَا أتاكُمْ) به، ولم يردّه إلى أنه خبر عن الله.
صعّر خده أي أمال خدّه تكبراً. فذكر ما هو أسوأ في لقمان (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا) ولم يذكر هذا في الحديد لذا احتاج التأكيد في آية سورة لقمان لأنه ذكر فيها الأكثر اختيالاً سوءاً والآيات في حسن التصرف مع الناس. كل ما ذكره في آية لقمان في المعاملات مع الناس وذكر من الصفات ما هو أسوأ فاحتاج للتأكيد ولا يمكن أن يكونا بمرتبة واحدة وخاصة في أمور الكِبر وهذه مقاييس للتعبير دقيقة.