أمية بن خلف

‏ قال عبد الرحمن‏:‏ فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي ـ وكان أمية هو الذي يعذب بلالًا بمكة ـ فقال بلال‏:‏ رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا‏. ‏ قلت‏:‏ أي بلال، أسيري‏. ‏ قال‏:‏ لا نجوت إن نجا‏. ‏ قلت‏:‏ أتسمع يابن السوداء‏. ‏ ثم صرخ بأعلى صوته‏:‏ يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا‏. ‏ قال‏:‏ فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل الْمَسَكَة، وأنا أذب عنه، قال‏:‏ فأخلف رجل السيف، فضرب رجل ابنه فوقع، وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط، فقلت‏:‏ انج بنفسك، ولا نجاء بك، فوالله ما أغني عنك شيئًا‏. ‏ قال‏:‏ فَهَبَرُوهُمَا بأسيافهم حتى فرغوا منهما، فكان عبد الرحمن يقول‏:‏ يرحم الله بلالًا، ذهبت أدراعي، وفجعني بأسيري‏. ‏ وروى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف قال‏:‏ كاتبت أمية بن خلف كتابًا بأن يحفظني في صاغيتي ـ أي خاصتي ومالي ـ بمكة، وأحفظه في صاغيته بالمدينة‏. زوال الإعجاب بمعرفة الأسباب في سلاطين الأعراب .. ‏‏. ‏ فلما كان يوم بدر خرجت إلى جبل لأحرزه حين نام الناس، فأبصره بلال، فخرج حتى وقف على مجلس الأنصار فقال‏:‏ أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا أمية، فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا، فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه ليشغلهم، فقتلوه، ثم أبوا حتى يتبعونا، وكان رجلًا ثقيلًا، فلما أدركونا قلت له‏:‏ ابرك، فبرك، فألقيت عليه نفسي لأمنعه، فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه‏.

زوال الإعجاب بمعرفة الأسباب في سلاطين الأعراب .

إعتاق أبي بكر الصديق للُمْسَتْضَعِفين الُمَعَّذبِين: أنفق أبو بكر رضي الله عنه ماله في نصرة الإسلام وإعتاق المستضعفين المعذبين من المسلمين، وعلى رأسهم: بلال بن رباح رضي الله عنه، قال ابن القيم في زاد المعاد: "وكان بلال بن رباح رضي الله عنه، مولى لبعض بني جمح، يخرجه سيده أمية بن خلف ـ لعنه الله ـ إذا حميت الشمس وقت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة، فتوضع على صدره، ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت، أو تكفر بمحمد ، وتعبد اللات والعزى، فيقول وهو في ذلك البلاء: أحد أحد". وقال ابن كثير: "كما كان بلال رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك (يوافق قريش على الكفر) وهم يفعلون به الأفاعيل، حتى أنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر، ويأمرونه أن يشرك بالله فيأبى عليهم وهو يقول: أَحَدٌ، أَحَد، ويقول: والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها رضي الله عنه وأرضاه".

وقال ابن كثير في تفسيره لهذه الآيات: "ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك، ولا شك أنه داخل فيها، وأوْلى الأمة بعمومها، فإن لفظها لفظ العموم، وهو قوله تعالى: { وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى}، ولكنه مُقدَّم الأمة، وسابقهم في جميع هذه الأوصاف، وسائر الأوصاف الحميدة". وقال الشنقيطي في أضواء البيان: "قد قيل أيضا: إن المراد بقوله: { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى * ٱلَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ} إلى آخر السورة نازل في أبي بكر رضي الله عنه لما كان يعتق ضعفة المسلمين، ومن يُعَذَّبون على إسلامهم في مكة، فقيل له: لو اشتريت الأقوياء يساعدونك ويدافعون عنك؟ فأنزل الله تعالى الآيات إلى قوله: { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نّعْمَةٍ تُجْزَىٰ * إِلاَّ ٱبْتِغَاء وَجْهِ رَبّهِ ٱلأَعْلَىٰ * وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ}". أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا: أبو بكر رضي الله عنه كنيته: أبو بكر ، ولقبه الصِّدِّيق ، لتصديقه بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وخاصة تصديقه لحديث الإسراء والمعراج، وكان رضي الله عنه يسمَّى أيضاً: عتيقاً ، فعن عائشة رضي الله عنها: (إنَّ أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا بكر ، أنت عتيق الله من النار، قالت: فيومئذٍ سُمِّيَ عتيقاً) رواه الترمذي وصححه الألباني.