قوله تعالى: {غير المغضوب عليهم} يعني غير صراط الذين غضبت عليهم، والغضب: هو إرادة الانتقام من العُصاة، وغضب الله تعالى لا يلحق عُصاة المؤمنين إنما يلحق الكافرين. {ولا الضالين}: أي وغير الضالين عن الهدى. وأضل الضلال الهلاك والغيبوبة، يقال: ضل الماء في اللبن إذا هلك وغاب. و "غير" ها هنا بمعنى لا، ولا بمعنى غير ولذلك جاز العطف كما يقال: فلان غير محسن ولا مجمل. فإذا كان غير بمعنى سوى فلا يجوز العطف عليها بلا، ولا يجوز في الكلام: عندي سوى عبد الله ولا زيد. وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين). ص17 - كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح - باب غير المغضوب عليهم ولا الضالين الفاتحة - المكتبة الشاملة. وقيل: المغضوب عليهم: هم اليهود، والضالون: هم النصارى؛ لأن الله تعالى حكم على اليهود بالغضب فقال: {من لعنه الله وغضب عليه} [60 - المائدة] ، وحَكَم على النصارى بالضلال فقال: {ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل} [77 - المائدة]. وقال سهل بن عبد الله: "غير المغضوب عليهم بالبدعة ولا الضالين عن السنة". والسنة للقارئ أن يقول بعد فراغه من قراءة الفاتحة (( آمين)) بسكتة مفصولة عن الفاتحة وهومخفف ويجوز (عند النحويين) ممدوداً ومقصوراً ومعناه: اللهم اسمع واستجب. وقال ابن عباس وقتادة: "معناه كذلك يكون".
[14]. وقال صلى الله عليه وسلم: (( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فِرقةً، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمَّة على ثلاث وسبعين فرقة، كلُّها في النار إلا واحدة))، قلنا: من هي يا رسول الله؟ قا ل: ((من كان على مِثلِ ما أنا عليه وأصحابي)) [15]. القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة الفاتحة - الآية 7. ومما يدلُّ على شمول الغضب لليهود وغيرهم، وشمول الضلال للنصارى وغيرهم: أن الله توعَّدَ بالغضب في القرآن الكريم مرتكبي بعض الكبائر والكفرة والمنافقين والمشركين من هذه الأمَّة، ووصف كثيرًا منهم بالضلال، كما وصفهم بذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93]. وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ﴾ [الأنفال: 16]. وقال تعالى: ﴿ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 106]، وقال تعالى: ﴿ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [النور: 9].
تفسير سورة الفاتحة ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ إعراب الآية: ﴿ صِرَاطَ ﴾: بدل من صراط الأول، تبعه في النصب، وعلامة نصبه الفتحة. ﴿ الَّذِينَ ﴾: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه. ﴿ أَنْعَمْتَ ﴾: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير الرفع، والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل. ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾: على: حرف جر، والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بـ (على)، متعلق بـ(أنعمتَ)، والميم حرفٌ لجمع الذكور. ﴿ غَيْرِ ﴾: بدل من اسم الموصول (الذين) تبعه في الجر. ﴿ الْمَغْضُوبِ ﴾: مضاف إليه مجرور. ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾: كالأول في محل رفع نائب فاعل للمغضوب، الواو عاطفة، (لا) زائدة لتأكيد النفي. ﴿ الضَّالِّينَ ﴾: معطوف على (غير) مجرور مثله، وعلامة الجر الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم، وجملة: (أنعمت عليهم... التفريغ النصي - تفسير سورة الفاتحة [12] - للشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي. ) لا محل لها صلة الموصول [1]. روائع البيان والتفسير: قال ابن كثير: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة: 7]، هم المذكورون في سورة النساء؛ حيث قال: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 69، 70] [2].
وهل ظاهرة الاستعمار تشمل كل المسيحيين أجيالا وأجناسا، أم هي مرتبطة فقط بمن صنع مآسيها وويلاتها، انطلاقا من قوله تعالى:" ولا تزر وازرة وزر أخرى" سورة الإسراء/14؟!
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكرة رضي الله عنه: (( ألا فلا تَرجِعوا بعدي ضُلالًا يضرب بعضكم رقابَ بعض)) [18]. قال ابن القيم [19]: "والغضبُ نتيجة فساد القصد، والضلالُ نتيجة فساد العلم، فاعتلال القلوب ومرضها نتيجةٌ لأحد هذين الفسادين، وبالهداية للصراط المستقيم الشفاءُ من مرض الضلال، وبالتحقق ب﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ علمًا ومعرفة وعملًا وحالًا الشفاءُ من مرض فساد القصد". المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن » [1] انظر: "جامع البيان" (1/ 189)، "مشكل إعراب القرآن" (1/ 72)، "الكشاف" (1/ 12). [2] انظر: "المحرر الوجيز" (1/ 87)، "البحر المحيط" (1/ 29). [3] انظر: "تفسير ابن كثير" (1/ 57، 58). [4] انظر: "بدائع الفوائد" (2/ 34 -35). [5] انظر: "فتح الباري" (8/ 159). [6] أخرجها أبو عبيد في "فضائل القرآن"، وسعيد بن منصور في "سننه" فيما نقل ابن كثير (1/ 58). قال ابن كثير: "هذا إسناد صحيح"، قال: "وكذلك حكي عن أُبَيِّ بن كعب أنه قرأ كذلك، وهو محمول على أنه صدر منهما على وجه التفسير". معنى غير المغضوب عليهم ولا الضالين. [7] في "تفسيره" (1/ 59). [8] انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 150). [9] درج كثير من الكُتَّاب المسلمين متأثرين بغيرهم من كُتَّاب غير المسلمين على تسمية النصارى بالمسيحيين، وهذا خطأ؛ لأن القرآن سمَّاهم النصارى، ولم يُسمِّهم المسيحيين، لأن المسيح منهم بريء.
بل تضمنت الرد على جميع أهل البدع [والضلال] في قوله: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} لأنه معرفة الحق والعمل به. وكل مبتدع [وضال] فهو مخالف لذلك. وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى, عبادة واستعانة في قوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فالحمد لله رب العالمين.
[ رقم الحديث عند عبدالباقي: 4228... ورقمه عند البغا: 4475] - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قَالَ الإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».