وصية زهير بن جناب لبنيه

إلى جانب ما سبق ذكره فإن زهير بن جناب أوضح في وصيته أن يُحسِن الإنسان الظن بالله تعالى في كل وقت تقع فيه المصائب وأن يتمسّك بالله دائمًا وأبدًا وأن يفعل كلًّ ما عليه وأن يقوم بدفع الأذى والضرر عن نفسه وعن غيره وأن يُسلّمَ أمره كله لله. هذا ما نَصَّ عليه زهير بن جناب لما وضعه من مضمونٍ هامٍ لمبادئ وقيم وتعاليم أساسية نتيجة التجارب والخبرات التي عاشها في حياته وقام بتدوينها حتى تكون لمن بعده موعظةً يتعلمون منها ويتدبرونها. ملامح شخصية زهير بن جناب بعد أن تعرفنا على وصية زهير بن جناب لابد من أن نتعرف على شخصية كاتب هذه الوصية والاقتراب أكثر من حياته وتفاصيله وأين عاش وما شهده من أحداث جعلته يكتب هذه الوصية وذلك على النحو التالي: زهير بن جناب اسمه زهير بن جناب بن هبل الكلبي، وهو من قبيلة بني كنانة بن بكر وكان خطيبّا لقبيلة قضاعة ورئسيها وكان يُطلق عليه الكهّان لما له من رأي صائبٍ وسديد. عاش زهير بن جناب فترة زمنية طويلة كانت في العصر الجاهلي ويُقال أنه توفى في عام 60 قبل الهجرة، وكان شديد الإفراط في تناول الخمر كما يُقال بأنها توفى بسببها. كما يُقال أن زهير بن جناب عاش ما يقرب من 250 عامًا ويُقال 450 عامًاوكبرَ حتى أصبح يُخرّفَ كثيرًا، حيث كان يتحدث بينه وبين نفسه عند الليل فقالت زوجته لميس الأراشية لأحدِ أبنائها: اذهب إلى أبيك حين ينصرف، فَخذ بيده وقُدّهُ، فَخرج حتى وصل إلى زهير فقال: ما جاء بك يا بُنيّ؟.

وصية زهير بن جناب

ويقال إن الخليفة عمر بن الخطاب قال إن زهير كان أَشعر الشعراء. ذكر ابن العربي إن زهير كان له ابن يدعى سالم، كان في غاية الوسامة حتى إن امرأة عربية قالت عندما رأته قرب نبع ماء على صهوة جواده مرتدياً عباءة مخططة بخطين "لم أر حتى يومنا مثيلاً لهذا الرجل ولا هذه العباءة ولا هذا الجواد". فجأة تعثر الجواد وسقط، فدقت عنقه وعنق راكبه. وقال عنه ويليام ألكسندر كلوستون في كتاب من تحريره عن الشعر العربي: "تميز زهير بن أبي سلمى منذ نعومة أظفاره بنبوغه الشعري". أخبار عنه [ عدل] من الأخبار المتّصلة بتعمير زهير أن النبي محمد نظر إليه "وله مائة سنة" فقال: اللهم أعذني من شيطانه"، فما لاك بيتاً حتى مات. وأقلّ الدلالات على عمره المديد سأمه تكاليف الحياة، كما ورد في المعلّقة حين قال: سئمتُ تكاليفَ الحياة، ومَنْ يعِش ثمانينَ حولاً لا أبا لكَ، يسأَمِ والمتعارف عليه من أمر سيرته صدق طويته، وحسن معشره، ودماثة خلقه، وترفعه عن الصغائر، وأنه كان عفيف النفس، مؤمناً بيوم الحساب، يخاف لذلك عواقب الشرّ. ولعلّ هذه الأخلاق السامية هي التي طبعت شعره بطابع الحكمة والرصانة، فهو أحد الشعراء الذين نتلمس سريرتهم في شعرهم، ونرى في شعرهم ما انطوت عليه ذواتهم وحناياهم من السجايا والطبائع.

ديوان زهير بن جناب الكلبي Pdf

يا بَنِيَّ قَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَبَلَغْتُ حَرْسًا مِنْ دَهْري، فَأَحْكَمَتْني التَّجارِبُ، والأمورُ تَجْرِبَةٌ واخْتِبارٌ، فَاحْفَظُوا عَنِّي ما أقولُ وَعوهُ. إيَّاكُمْ وَالْخَوَرَ عِنْدَ الْمَصائِبِ، والتَّواكُلَ عِنْدَ النَّوائِبِ؛ فَإِنَّ ذلِكَ داعيَةٌ لِلْغَمِّ، وَشَماتَةٌ للعَدُوِّ، وَسوءُ ظَنٍّ بالرَّبِّ. وإيَّاكُمْ أنْ تَكونوا بِالْأَحْداثِ مُغْتَرّينَ، وَلَها آمِنينَ، وَمِنْها ساخرينَ؛ فإنَّهُ ما سَخِرَ قَوْمٌ قَطُّ إلَّا ابْتُلُوا؛ ولكنْ تَوَقَّعوها؛ فَإنَّ الإنسانَ في الدُّنْيا غَرَضٌ تَعاوَرَهُ الرُّماةُ، فَمُقَصِّرٌ دونَه، ومُجاوِزٌ لِمَوْضِعِهِ، وَواقِعٌ عَنْ يَمينِهِ وَشِمالِهِ، ثُمَّ لا بُدَّ أنَّهُ يُصيبُهُ. شرح وصيته عدل أوصى زهير بن جناب الكلبي بنيه فقال: يا بَنِيَّ قدْ كَبِرتْ سِنِّي، وبلغتُ حَرْسًا(حينا أو دهرا وجمعها أحْرُسٌ) من دهري، فأَحْكَمَتْني التجارِبُ(أي جعلتني خبيرا مجرَّبا)، والأمورُ تجرِبةٌ واختبارٌ، فاحفظوا عني ما أقولُ وَعوهُ. إياكُمْ والخَوَرَ(الضعف والتلاشي والانكسار: من خوِرَ يخوَرُ) عندَ المصائبِ، والتواكلَ(الاستسلام والاتكال على الغير) ومنه: "المؤمن يجب أن يكون متكلا لا متواكلا" عندَ النوائب؛ فإن ذلك داعيةٌ(سبب) للغَمِّ(الضيق والهم والكرْب والشدة)، وشماتةٌ(فرح لبلية الآخرين) للعدوِّ، وسوءُ ظَنٍّ(شك وارتياب وظن قبيح) بالرَّبِّ.

وصية زهير بن جناب الكلبي

أوصى زهيرُ بنُ جنابٍ الكلبيُّ بنيه فقال: يا بَنِيَّ قد كَبُرَتْ سِنِّي، وَبَلَغْتُ حَرْسًا مِن دَهري، فَأَحْكَمَتْنِي التجاربُ، والأمورُ تَجْرِبَةٌ واختبارٌ، فاحفظوا عَنِّي ما أقولُ، وَعُوهُ. إيَّاكم والخَوَرَ عندَ المصائبِ، والتواكلَ عندَ النَّوائبِ؛ فإِنَّ ذلك داعيةٌ لِلغَمِّ، وشَمَاتَةٌ لِلعدوِّ، وسوءٌ ظَنِّ بالرَّبِّ. وإِيَّاكم أَنْ تكونوا بالأحداثِ مُغْتَرِّينَ، ولها آمنينَ، ومنها سَاخرينَ؛ فإِنَّه ما سَخَرَ قومٌ قطُّ إِلاَّ ابتُلُوا؛ ولكنْ تَوَقَّعُوها؛ فإنما الإنسانُ في الدّنيا غَرَضٌ تَعَاوَرَهُ الرُّماةُ، فَمُقَصِّرٌ دونَه، ومُجَاوِزٌ لِمَوضِعِه، وواقِعٌ عن يَمِينِه وشَمَالِهِ، ثم لا بدَّ أنَّه مُصِيْبُهُ.

وصيته لبنيه زهير بن جناب

ما هي الحالات الّتي يجب على الإنسان تجنّبها عند مواجهته للأحداث؟

وأما الأمر المطلوب منكم لذلك: أن تتوقعوا وتخمنوا وتتهيأوا وتستعدوا وتتحضروا مترقبين متربصين لها خير متربَّص متصيدين لها أفضل متصيَّد فلا تباغتكم وتفاجئكم وتصدمكم وتحطمكم. أما سبب الاحتراز والحيطة والحذر فهو كامن فيما يلي: كون الإنسان في الدنيا وفي هذه الحياة هدفا تتداوله وتبغي النيل منه الحوادث كبُرت أم صغُرت، بين سهم أو مصيبة نازلة بكم كادت توقع بكم، وأخرى تخطتكم وتجاوزتكم وباعدت عنكم، وأخيرةٍ تقترب منكم وتدنو وتوشك أن تصيب، واعلموا أنْ لا بد يوما من أن يصيب الرامي الهدفَ أوِ السهمُ المرميَّةَ.