لم تكن الجالية العراقية في الكويت قبل الاحتلال صغيرة، بعض أفرادها هاجر للعمل وآخرون للاستقرار بعيدًا عن أعين السلطات البعثية. وكان الزواج من نساء عراقيات شائعًا في بعض الأسر الكويتية. لكن السلطة البعثية في العراق كانت تعمل في الخفاء، فقد كشف بعض أفراد الجالية العراقية بعد الاجتياح انتماءهم للمخابرات العراقية طوال مدة إقامتهم في الكويت، وبدأت تحركاتهم مع تحرك الجيش العراقي، وتغيرت أزياؤهم من مدنية إلى عسكرية، وتقلدوا بعض المناصب وقدموا التقارير حول الشخصيات الكويتية بحكم احتكاكهم المباشر بها، حتى وصل الأمر إلى الساحة الفنية ، إذ كُشف أن الفنانَين زينب الضاحي و صالح حمد ، المعروف بشخصية «أمبيريك» ، اللذَين شاركا في عديد من الأعمال الفنية الكويتية، تعاونا مع الاحتلال العراقي. متورطون في المعركة: قصص أجانب الكويت خلال الاحتلال العراقي. مريم، السيدة الكويتية صاحبة الثلاثة وستين عامًا، تذكر لـ«منشور» أن قريبتها ذات الأصل العراقي كانت تستفيد من ذلك للحصول على مواد غذائية وتسهيلات أكبر من الجنود العراقيين، فقد كان العبور من نقاط التفتيش صعبًا على الكويتيين لكنه أسهل على الجالية العراقية، سواء التي أتت مع قوات الاحتلال أو التي عاشت في الكويت من قبله. المدهش أن صفحات المقاومة الكويتية تحمل في طياتها أسماء بعض العراقيين المشاركين مع المقاومة المدنية للمحتل، سقطوا قتلى في سبيل «الوطن» الذي يعرفونه، لا الذي يتبعونه بالاسم، منهم إبراهيم عبد الرزاق ناصر، الذي كان جزءًا من مجموعة «الصوابر»، وشارك في تنفيذ عمليات ضد الاحتلال اعتُقل على إثرها، وأُعدِم قبل حرب التحرير بأيام.
الخيانة وحدها كانت الأبرز، أما الفلسطينيين الذين رفضوا الغزو فلم يكن لهم صوت، لذا كان الكويتي لا يشعر تجاه الفلسطيني خلال الاحتلال سوى بالخوف والريبة، حتى إن تقدم بحسن نية. وبعد التحرير اعتُقل كثير من الفلسطينيين بتهم التعاون والمشاركة مع جيش الاحتلال وتقديم المساعدات له، وهاجر آخرون إثر الظروف الأمنية والاقتصادية الخانقة. اليوم، عادت العلاقات الكويتية الفلسطينية لكن بشكل أقل مما كانت عليه، خصوصًا على الصعيد الاجتماعي، فلا يزال شعور الريبة ملازمًا كما في العلاقات الكويتية العراقية. لماذا الفلسطنيين خانوا الكويت اثناء غزو العراق لها ؟. مع هذا، لم تتمكن الجالية الفلسطينية التي وُلدت وعاشت في الكويت من العودة إليها، وظلت في شتاتها الذي كُتب عليها منذ البداية. العراقيون: «أنت الخصم والحكم» فيلم مُصوَّر سرًّا يُظهر دخول الجيش العراقي إلى الكويت أن تعيش في بلد، وتكون لك فيها عائلة، ولك على أرضها بيت ومنطقة أمان وأصدقاء وذكريات، ثم تجد نفسك فجأة توصف بالمحتل. هكذا عاش العراقيون في الكويت فترة الاحتلال: خوف مفاجئ تجاههم، كراهية، غضب، حيرة في التعامل. هناك عراقيون شاركوا مع المقاومة المدنية للمحتل، وسقطوا قتلى في سبيل «الوطن» الذي يعرفونه، لا الذي يتبعونه بالاسم.
لكن الغزو العراقي كان حدثًا مفصليًّا للفلسطينيين. استخدم صدام حسين قضية فلسطين في تبريراته للاحتلال، ووقف إلى جانبه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، رغم كل الدعم الذي قدمته الكويت للقضية الفلسطينية. حسابات عرفات السياسية كانت مختلفة، لكنها أسقطت الجالية الفلسطينية في الكويت في بئر لا قرار له. اضطر الآلاف منهم إلى الخروج من الكويت، البلد الذي وُلدوا وعاشوا فيه ولا يعرفون غيره وطنًا، بينما ظل آخرون من المنتمين لتيارات سياسية بعثية أو موالية لياسر عرفات في صف القوات العراقية ويقدمون بلاغات عن المقاومة الكويتية، ويشاركون في نقاط الإيقاف والتفتيش والمظاهرات المساندة لصدام. بعضهم كان مسلحًا والآخر مدنيًّا يلعب دور المخبر، وآخرون آثروا البقاء على الأرض التي يعرفونها وتعرفهم، يحاولون مساعدة الكويتيين في ما يستطيعون. فنانين خانوا الكويت لدى. خلال الاحتلال، لم يشعر الكويتي تجاه أخيه الفلسطيني سوى بالريبة. لم يكن من السهل على الكويتيين تجاوز العلاقة التي انكسرت بينهم وبين الفلسطينيين، شعور القومية الذي تفتت مع أول خطوة عراقية على أرضهم ومشاركة بعض الفلسطينيين في التنكيل بهم، بالإضافة إلى موقف الحكومة الفلسطينية. كان هذا كفيلًا بأن لا يرى الكويتي إلا الجانب المؤلم.
حياة يومية عاشها أشخاص في حرب لا تعنيهم، وفي مقابل كل الخيارات المتاحة، كان لكلٍّ منهم تبريره للطريق الذي اختاره. قصص مَن ذكرناهم مِن غير الكويتيين الذين قُتلوا خلال الاحتلال العراقي مصدرها موقع الديوان الأميري الكويتي.