الايمان بالله تعالى

وبهذا يكون القرآن الكريم قد اختار طريقًا مختلفًا، وفتح مجالًا جديدًا في التذكير بوجود الله تعالى والتنبيه على عظمة ألوهيَّته، من خلال عرض الكثير من مشاهد آياته الكبرى في كل شيء؛ في الكون والحياة والإنسان، وهو - بلا شك - منهجٌ يختلف جذريًّا عن منهج الجدل البارد الذي شاع قبل الإسلام في فلسفات مختلفة، وبعد الإسلام فيما يسمى بعلم الكلام! معنى الايمان بالله تعالى. تلازم الإيمان والعمل: ما مِن شك في أن الهدف النهائي من تركيز القرآن على هذا النمط من العرض والبيان حول وجود الله تعالى في الأنفس والتاريخ والآفاق، هو مَلْء العقل والوجدان بفُيُوضات الكمال والجلال، ليرتبطَ المتلقِّي بكل كِيانه بالله تعالى بشكل وثيق وعميق؛ إذ كان هذا الارتباط هو جوهرَ التوحيد الذي خُلق له الخلق! والقرآن الكريم يعلم أن هذا الارتباط له آثارٌ في الفكر والنفس والواقع؛ مِن رؤى وتصورات، ونظم والتزامات؛ ذلك لأن الإنسان وحدةٌ متكاملة بين (فكرة العقل) و(شعور الضمير) و(التزام السلوك)، وهي شُعَب لا يمكن الفصل بينها إلا بضعف في الإيمان أو عوامل خارجية ضاغطة! ومِن هنا استثمر المنهج القرآني هذه الحقيقةَ الكبيرة في طبيعة الإنسان، ليُرتِّب عليها وليبني عليها دعوته المقدَّسة للإنسان بأن يلتزِم بمعاني الإيمان وحقائق التوحيد، إِنْ على مستوى الإدراك، وإِنْ على مستوى الشعور، وإن على مستوى السلوك ونشاطات الحياة وعلاقاتها كافةً، ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 191].

تقرير عن الايمان بالله تعالى

هذه الضرورة يشعُرُ بها الإنسان حين يلتفَّت إلى نفسه، وحين يُقلِّب نظره في آفاق السماء، وحين تضغطُ عليه ظروف الواقع، ينتبه إليها وهو يشهد انبثاق الحياة في الوليد الضئيل، أو في نماء النبتة الضعيفة، أو في انبلاج فجرٍ جديد، أو في هدأة الليل البهيم! مِن أجل ذلك كانت فكرة الإله - رغم تعدُّد أشكالها ومظاهرها - أبرزَ فكرةٍ محرِّكَة ومُثوِّرَة ومؤسِّسَة في مختلف الحضارات والشعوب، والتاريخ يُحدِّثنا أننا مِن الممكن أن نجد أممًا وشعوبًا بلا حضارة مزدهرة ماديًّا، غير أننا من العسير جدًّا أن نجدد أممًا وشعوبًا بلا معابدَ مُقدَّسة! ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ الإلحاد حالة شاذَّة: رغم هذه الحقيقة التاريخية، فإننا نعترف بأنه قد وُجدت شِرْذمةٌ من الناس تدَّعي إنكار وجود الإله الخالق إنكارًا كليًّا! اثر الايمان بالله تعالى على المجتمع. كما وُجد مَن أنكر الإله بالشكل الذي تعرِضه الجماعة الدينية التي ينتمي إليها، وكذا وُجد مَن أنكر بعض مقتضيات عقيدة وجود الإله الخالق؛ كالدين، والنبوات، والحياة بعد الموت! والحقيقة أن هذه الاتجاهات كانت أشبهَ بالاستثناء الذي يؤكد القاعدة، فلم يكن لهم صوتٌ مسموع، ولا فكر منطقي يستلزم من العقلاء التوقُّفَ عنده طويلًا والنظر الجدي فيه، رغم رحابة النقاشات والمجادلات التي خاضها المؤمنون بوجود الإله من حيث المبدأ، حول ذاته وصفاته وعلاقته بالكون والحياة والإنسان!

معنى الايمان بالله تعالى

في الآثار الإجمالية: أسماء الرب تبارك وتعالى وأوصافُه التي ثبتَتْ بها النُّصوص الشرعيَّة الواردة في الكتاب والسُّنَّة أنواعٌ، لكلِّ نوعٍ أثرُه على المؤمن: 1- فأسماء وأوصاف العظمة والكبرياء والمجد والجلال: كالعظيم والكبير والواسع والمجيد والجليل؛ تملأ قلوب أهل الإيمان هيبةً لله تعالى وتعظيمًا له وتقديسًا. ثمرات الإيمان بالله تعالى. 2- وأسماء وأوصاف العزَّة والقوَّة والقهر والقُدرة والغلبة؛ تُخضِع القلوب وتذلُّها وتجعلها تنكسر بين يدي خالقها ومُدبِّرها. 3- وأسماء وأوصاف الرحمة والبر والغنى والجود والكرم ونحوها من أسماء وأوصاف الجمال والكمال تملأ القلوبَ محبةً لله تعالى ورغبةً ورجاءً وطمعًا في امتِنانه وفضله وَجُودِه وبرِّه. 4- وأسماء وأوصاف العلم والإحاطة: كالعليم والخبير والحفيظ والمحيط تُوجِب للمؤمن مراقبةَ الله تعالى في جميع حركاته وسكناته. في الثمرات التفصيليَّة: فللإيمان بالله تعالى ثمراتٌ مباركة كثيرة؛ منها: 1- العلم بعظمة الله تعالى وكبريائه وجلاله وجماله ولُطفه وعظمة شأنه وعزِّ سلطانه؛ كما دلَّت على ذلك أسماؤه وصِفاته وأفعاله وإنعامه، وذلك العلم يملأ القلب توحيدًا وإيمانًا، ويَحمِل الجوارح والحواس على الذلِّ لله تعالى والانقِياد له عن رغبةٍ ورهبة ومحبَّة وإجلال.

ونحن الآن نشرح كتاب الإيمان، ولابد من استقصاء الكلام في الإيمان الذي منه الإيمان بالله عز وجل، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله، وبيان معنى الإيمان والإسلام؛ لأننا بعد كتاب الإيمان سوف ندخل في الأحكام والفرائض والنوافل والسنن. وهذه فرصة للتعرف على الإيمان بأركانه وحقائقه ومذهب السلف في كل مسألة من مسائله من خلال شرحنا لكتاب الإيمان، الذي عموده حديث جبريل، وهذا الكلام الذي تسمعه 90% منه فوائد لي أنا، لم أكن وقفت عليها من قبل، فأنا أريد أن أبلغه إليك، ونحن إن شاء الله سنحاول إنها كتاب الإيمان في ثلاث سنوات. حكم الصلاة والصيام عن الميت السؤال: هل يصح الصيام والصلاة عن المتوفى، مع الدليل على ذلك؟ الجواب: الصلاة لا تجوز ولا تصح، وأما الصيام ففيه خلاف كبير بين أهل العلم، فالجمهور قالوا: لا يجوز الصيام عن الميت، وحملوا الأحاديث التي فيها قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( من مات وعليه صوم صام عنه وليه) على الإطعام عنه. الإيمان بالله تعالى. وهذا تأويل يغاير ظاهر النص، ولا بأس بإجراء النص على ظاهره، وقد اختلف العلماء في هل يصوم عنه الفرض أو الواجب، فصيام النذر واجب، والراجح جواز الصيام عن الميت. والله تعالى أعلم.