والإِغشاء: وضع الغشاء. وهو ما يغطي الشيء. والمراد: أغشينا أبصارهم ، ففي الكلام حذف مضاف دلّ عليه السياق وأكّده التفريع بقوله: { فهم لا يبصرون}. وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي لإِفادة تقوي الحكم ، أي تحقيق عدم إبصارهم.
وفي «مفاتيح الغيب»: مانع الإِيمان: إما أن يكون في النفس ، وإما أن يكون خارجاً عنها. ولهم المانعان جميعاً: أما في النفس فالغُلّ ، وأما من الخارج فالسد فلا يقع نظرهم على أنفسهم فيروا الآيات التي في أنفسهم لأن المُقْمَح لا يرى نفسه ولا يقع نظرهم على الآفاق لأن مَن بين السدّين لا يبصرون الآفاق فلا تتبين لهم الآيات كما قال تعالى: { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم} [ فصلت: 53]. وإعادة فعل { وجعلنا} على الوجه الأول في معنى قوله: { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً} [ يس: 8] الآية ، تأكيد لهذا الجعل ، وأما على الوجه الثاني في معنى { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً} فإعادة فعل { وجعلنا} لأنه جَعْل حاصل في الدُّنيا فهو مغاير للجعل الحاصل يوم القيامة. وقرأ الجمهور { سداً} بالضم وهو اسم الجدار الذي يَسُدّ بين داخل وخارج. وقرأ حمزة والكسائي وحفص وخلف بالفتح وهو مصدر سمي به ما يُسد به. { خَلْفِهِمْ سَدّاً فأغشيناهم فَهُمْ}. تفريع على كلا الفعلين { جعلنا في أعناقهم أغلالاً} [ يس: 8] و { جعلنا من بين أيديهم سُدّاً ومن خلفهم سداً} لأن في كلا الفعلين مانعاً من أحوال النظر. َجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا المغامسي يبين قصة الآية - YouTube. وفي الكلام اكتفاء عن ذكر ما يتفرع ثانياً على تمثيلهم بمن جعلوا بين سُدين من عدم استطاعة التحول عمّا هم عليه.
الحديث الثاني: عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال: كانت بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قريب من المسجد فنزلت: {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم} فقال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم: (إن آثاركم تكتب) فلم ينتقلوا"أخرجه ابن أبي حاتم والترمذي وقال الترمذي: حسن غريب"". وروى الحافظ البزار، عن أبي سعيد رضي اللّه عنه قال: إن بني سلمة شكوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد منازلهم من المسجد فنزلت: {ونكتب ما قدموا وآثارهم} فأقاموا في مكانهم. وجعلنا من بينهم سدا ومن خلفهم سدا. الحديث الثالث: عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: كانت الأنصار بعيدة منازلهم من المسجد فأرادوا أن يتحولوا إلى المسجد فنزلت {ونكتب ما قدموا وآثارهم} فثبتوا في منازلهم "أخرجه الطبراني وهو حديث موقوف". الحديث الرابع: عن عبد اللّه بن عمرو رضي اللّه عنهما قال: توفي رجل بالمدينة فصلى عليه النبي صلى اللّه عليه وسلم، وقال: (يا ليته مات في غير مولده) فقال رجل من الناس: ولم يا رسول اللّه؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إن الرجل إذا توفي في غير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة) "أخرجه الإمام أحمد والنسائي". وروى ابن جرير عن ثابت قال: مشيت مع أنَس رضي اللّه عنه فأسرعت المشي فأخذ بيدي فمشينا رويداً، فلما قضينا الصلاة قال أنَس: مشيت مع زيد بن ثابت فأسرعت المشي، فقال: يا أنَس أما شعرت أن الآثار تكتب؟ وهذا القول لا تنافي بينه وبين الأول، بل في هذا تنبيه ودلالة على ذلك بطريق الأَوْلى والأحرى، فإنه إذا كانت هذه الآثار تكتب فلأن تكتب تلك التي فيها قدوة بهم من خير أو شر لهو طريق الأولى، واللّه أعلم.