فلما خلق الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه, كما جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لما خلق الله آدم تركه ما شاء الله أن يتركه, فجعل إبليس يطيف به), جعل إبليس يدور حوله، أو يمر به على وجهين في تفسير معنى قوله: (يطيف به). ( فلما رآه أجوف), أي: إبليس رأى آدم أجوف, ( عرف أنه خلق خلقاً لا يتمالك) ثم صار من أمر آدم لما بث الله فيه الروح أن الله جعله في الجنة, ونهاه عن الأكل من الشجرة, كما هو في كتاب الله في غير موضع. فلما عصى آدم ربه وأكل من الشجرة, أمر الله جل وعلا آدم أن يهبط هو وزوجه إلى الأرض. اذ قال ربك للملائكه اني جاعل في الارض خليفه. المراد بالخليفة في قوله تعالى: (جاعل في الأرض خليفة) في خطاب الله لملائكته في شأن آدم في هذا السياق من كتاب الله قوله: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30], وهذا الخليفة هو آدم وذريته فهم خلفاء في الأرض عن الجن؛ لأن الموجودين في الأرض ليسوا مدركين من الحيوان والبهيم, وما في الأرض من المدرك المميز العاقل إلا الجن. والخليفة يكون هو الأعلى, كما يستعمل اسم الخليفة في الولاية فيكون هو الأعلى, فقال: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30], أي: إني جاعل في الأرض من يكون له من الولاية على الأرض والتدبير والشأن فيها ما ليس للجن, وهذا يبين أن كونه خليفة لا يعني زوال أمر الجن, وإنما يكون له من العلو والشأن والتمكين أكثر مما للجن.
خامساً: دلالة (ربك) في الآية "وأسندت حكاية هذا القول إلى الله سبحانه بعنوان الرب لأنه قول منبىء عن تدبير عظيم في جعل الخليفة في الأرض ، ففي ذلك الجعل نعمة تدبير مشوب بلطف وصلاح وذلك من معاني الربوبية كما تقدم في قوله: { الحمد لله رب العالمين} ( الفاتحة 2)، ولما كانت هذه النعمة شاملة لجميع النوع أضيف وصف الرب إلى ضمير أشرف أفراد النوع وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع تكريمه بشرف حضور المخاطَبة. "
ومع ما ظهر منهم من الفساد في البر والبحر وإزهاق النفس بسبب الظلم والعدوان إلا أن بني آدم صار فيهم الأولياء وصار فيهم قبل ذلك أئمتهم وهم الأنبياء والرسل, وأنزل الله على هذه الأرض الخير, وساق إليها أوجهاً من الخير, كل ذلك بفضل هذا الخليفة, وإجلالاً من الله سبحانه وتعالى لما بعث به رسله من كلامه والنور الذي أنزله عليهم. إني جاعل في الأرض خليفة| قصة الإسلام. فصار في هذه الأرض من الخير الكثير بسبب آدم وذريته, وهذا معتبر بالصالحين منهم, وإن كان عرض الفساد من عقب بني آدم إلا أن هذا مضت فيه سنة الله بالمدافعة, فهذا معنى قول الله جل وعلا: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30]. وبهذا تعلم أن حكمة الرب سبحانه وتعالى بالغة, وأن حجته بالغة, وأن العباد حتى ولو كانوا من أخص عباد الله بل أخص عباد الله وهم الملائكة والأنبياء, فإذا كان أخص العباد وهم الملائكة في هذا المقام قبل مجيء النبوات في ولد آدم, لم يحيطوا بحكمة الرب جل وعلا فغيرهم من باب أولى. وهذا يبين للمؤمن ويثبت إيمانه أن كل ما أمر الله به وقضاه فضلاً عما شرعه، فإنه يكون لحكمة بالغة يطلع العباد على قدر منها, ولكن الإحاطة بحكمة الله وعلمه لا يحيط بها أحد, لا ملك مقرب ولا نبي مرسل: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة:255].
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد, وعلى آله وأصحابه أجمعين. يقول الله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30]. الله سبحانه وتعالى هو الخالق لكل شيء, وهو رب العالمين, فخلق السموات وخلق الأرض وخلق الأفلاك, وخلق ما ذرأ في السماء وما ذرأ في الأرض. عالم اجنبي يفسر آية اني جاعل في الارض خليفة - YouTube. وجاءت مخلوقات على هذه الأرض قبل بني آدم كما هو معروف, فخلق الله الجن قبل بني آدم, وصار على هذه الأرض من البهيم والحيوان ما خلقه الله سبحانه وتعالى مما أدركه الإنسان ومما فات ولم يدركه. فخلق الجن وصاروا هم البصراء في هذه الأرض باعتبار ما امتازوا به من العقل والإدراك, فإنهم مدركون -أعني: الجن- ولهذا صاروا مكلفين، كما قال الله جل وعلا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. فهم مكلفون؛ لأنهم مدركون, وأعطاهم الله ملكة الإدراك والعقل والتمييز على خلاف البهيم والحيوان, فصاروا هم في هذه الأرض, وكثر منهم الفساد وإن كان فيهم إيمان, لكن غلب عليهم الفساد في الأرض.
ملخص المقال إن من أهداف الزواج استمرارية الخلافة وأعمار الأرض وهذا لا يكون إلا في ظل الأسرة التي هي أول لبنة في بناء المجتمع والأسرة تبدأ من اجتماع كل من الرجل توقفنا في مقالة سابقة عند حقيقة هامة وهي أن الخلافة والعمارة هي من أهداف خلق الله للإنسان وهي أيضًا من أهداف الزواج واليوم نتعرف على المعنى الحقيقي للخلافة كما ذكر في كتاب الله إني جاعل في الأرض خليفة: وهنا نتوقف عند معنى الخلافة التي أرادها الله عندما قال في سورة البقرة: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة} [البقرة: 30].