القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة القلم - الآية 48

تفسير و معنى الآية 48 من سورة القلم عدة تفاسير - سورة القلم: عدد الآيات 52 - - الصفحة 566 - الجزء 29. ﴿ التفسير الميسر ﴾ فاصبر -أيها الرسول- لما حكم به ربك وقضاه، ومن ذلك إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم، ولا تكن كصاحب الحوت، وهو يونس -عليه السلام- في غضبه وعدم صبره على قومه، حين نادى ربه، وهو مملوء غمًّا طالبًا تعجيل العذاب لهم، لولا أن تداركه نعمة مِن ربه بتوفيقه للتوبة وقَبولها لَطُرِح مِن بطن الحوت بالأرض الفضاء المهلكة، وهو آتٍ بما يلام عليه، فاصطفاه ربه لرسالته، فجعله من الصالحين الذين صلحت نياتهم وأعمالهم وأقوالهم. ﴿ تفسير الجلالين ﴾ «فاصبر لحكم ربك» فيهم بما يشاء «ولا تكن كصاحب الحوت» في الضجر والعجلة وهو يونس عليه السلام «إذ نادى» دعا ربه «وهو مكظوم» مملوء غما في بطن الحوت. { وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} | بصائر. ﴿ تفسير السعدي ﴾ فلم يبق إلا الصبر لأذاهم، والتحمل لما يصدر منهم، والاستمرار على دعوتهم، ولهذا قال: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ أي: لما حكم به شرعًا وقدرًا، فالحكم القدري، يصبر على المؤذي منه، ولا يتلقى بالسخط والجزع، والحكم الشرعي، يقابل بالقبول والتسليم، والانقياد التام لأمره. وقوله: وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ وهو يونس بن متى، عليه الصلاة والسلام أي: ولا تشابهه في الحال، التي أوصلته، وأوجبت له الانحباس في بطن الحوت، وهو عدم صبره على قومه الصبر المطلوب منه، وذهابه مغاضبًا لربه، حتى ركب في البحر، فاقترع أهل السفينة حين ثقلت بأهلها أيهم يلقون لكي تخف بهم، فوقعت القرعة عليه فالتقمه الحوت وهو مليم [وقوله] إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ أي: وهو في بطنها قد كظمت عليه، أو نادى وهو مغتم مهتم بأن قال لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فاستجاب الله له، وقذفته الحوت من بطنها بالعراء وهو سقيم، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين.

  1. فصل: إعراب الآية (36):|نداء الإيمان
  2. { وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} | بصائر
  3. التفريغ النصي - تفسير سورة القلم [3] وسورة الحاقة [1] - للشيخ مصطفى العدوي

فصل: إعراب الآية (36):|نداء الإيمان

الحمد لله. أولا: إن الله لا يظلم مثقال ذرة لا بد من العلم أن الله سبحانه لا يظلم الناس شيئًا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، قال سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [ النساء /40]، وقال: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس/44]. ثانيًا: يونس عليه السلام نبي من أنبياء الله وفرعون عدو لله جاحد له أما يونس عليه السلام، فهو عبد صالح من خيار عباد الله الصالحين، وسيد من سادات الأولياء، ونبي من خِيرَة أنبياء الله، ورسله، وصفوته من خلقه. التفريغ النصي - تفسير سورة القلم [3] وسورة الحاقة [1] - للشيخ مصطفى العدوي. حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: « مَا يَنْبَغِى لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلاَمُ »، وفي رواية للبخاري « من قال أنا خير من يونس بن متّى فقد كذب » رواه البخاري (3234)، ومسلم (6310) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. فأين نبي الله الكريم، وولي الله، وعبده الصالح: من عدوه الله العاتي على ربه، المستكبر عليه وعلى أنبيائه ورسله، الجاحد له ولشرعه: فرعون اللعين؟! ثالثا: تفسير قوله تعالى "وهو مليم" في قصة يونس: وصف الله يونس عليه السلام بقوله: { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات/139 - 147].

{ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} | بصائر

فقال له قائل: يا سيدي، هب أنه أنشر الموتى للبعث والحساب، وزوج النفوس بقرنائها بالثواب والعقاب، فلم هدم الأبنية وسيّر الجبال، ودكّ الأرض، وفطّر السماء، ونثر النجوم، وكوّرت الشمس؟ فقال: إنما بني لهم الدار للسكنى والتمتع، وجعلها وجعل ما فيها للاعتبار والتفكر والاستدلال عليه: لحسن التأمل والتذكر. فلما انقضت مدة السكنى وأجلاهم من الدار خرّبها، لانتقال الساكن منها. فأراد أن يعلمهم بأن الكون كان معموا بهم. وفي إحالة الأحوال، وإظهار تلك الأهوال، وبيان المقدرة بعد بيان العزة، وتكذيب لأهل الإلحاد، وزنادقة المنجمين، وعبّاد الكواكب والشمس والقمر والأوثان، فيعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين. فإذا رأوا آلهتهم قد انهدمت، وأن معبوداتهم قد انتثرت وانفطرت، ومحالّها قد تشققت ظهرت فضائحهم وتبين كذبهم، وظهر أن العالم مربوب محدث، مدبّر، له رب يصرفه كيف يشاء، تكذيبا لملاحدة الفلاسفة القائلين بالقدم. فصل: إعراب الآية (36):|نداء الإيمان. فكم للّه من حكمة في هدم هذه الدار، ودلالة على عظيم عزته وقدرته، وسلطانه، وانفراده بالربوبية، وانقياد المخلوقات بأسرها لقهره، وإذعانها لمشيئته. فتبارك اللّه رب العالمين.

التفريغ النصي - تفسير سورة القلم [3] وسورة الحاقة [1] - للشيخ مصطفى العدوي

والكظيم والكاظم الذي قد امتلأ غيظا وغضبا، أو هما وحزنا، وكظم عليه فلم يخرجه. فإن قيل: وعلى ذلك فما العامل في الظرف؟ قيل: ما في {صاحب الحوت} من معنى الفعل. فإن قيل: فالسؤال بعد قائم، فإنه إذا قيد المنهي بقيد أو زمن كان داخلا في حين النهي فإن كان المعنى: لا تكن مثل صاحب الحوت في هذه الحال، أو هذا الوقت. كان نهيا عن تلك الحالة. قيل: لما كان نداؤه مسببا عن كونه صاحب الحوت، فنهى أن يشبه به في الحال التي أفضت به إلى صحبته الحوت وألجأته إلى النداء، وهو ضعف العزيمة وعدم الصبر لحكمه تعالى، ولم يقل تعالى: ولا تكن كصاحب الحوت إذ ذهب مغاضبا فالتقمه الحوت، فنادى، بل طوى القصة واختصرها، وأحال بها على ذكرها في الموضع الآخر، واكتفى بغايتها وما انتهت إليه. فإن قيل: فما منعك بتعويض الظرف بنفس الفعل المنهي عنه؟ أي لا تكن مثله في ندائه وهو ممتلئ غيظا وهما وغما، بل يكون نداؤك نداء راض بما قضى ربه عليه، قد تلقاه بالرضى والتسليم وسعة الصدر، لا نداء كظيم. قيل: هذا المعنى، وإن كان صحيحا، فلم يقع النهي عن التشبه به في مجرده. وإنما نهي عن التشبه به في الحال التي حملته على ذهابه مغاضبا، حتى سجن في بطن الحوت. ويدل عليه قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} ثم قال: {وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ} أي في ضعف صبره لحكم ربه.

(وَجاءَ فِرْعَوْنُ) ماض وفاعله والجملة معطوفة على ما قبلها (وَمَنْ) معطوف على فرعون (قَبْلَهُ) ظرف زمان (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) معطوف على ما قبله (بِالْخاطِئَةِ) متعلقان بالفعل جاء.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (مَكْظُومٌ) قال: مغموم. وكان قتادة يقول في قوله: (وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ): لا تكن مثله في العجلة والغضب. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ) يقول: لا تعجل كما عَجِل، ولا تغضب كما غضب. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.