في رحاب قوله تعالى: { ولا تلبسوا الحق بالباطل } - الكلم الطيب

فتأويل الآية إذًا: ولا تخلطوا على الناس - أيها الأحبار من أهل الكتاب - في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عند ربه، وتزعموا أنه مبعوث إلى بعض أجناس الأمم دون بعض، أو تنافقوا في أمره، وقد علمتم أنه مبعوث إلى الناس كافة، بما فيهم أنتم، فتخلطوا بذلك الصدق بالكذب، والحق بالباطل، وتكتموا ما تجدونه في كتابكم من نعته وصفته، وتعرفون أن من عهدي الذي أخذت عليكم في كتابكم الإيمان به وبما جاء به والتصديق به؛ فالمراد إذًا: النهي عن كتم حجج الله، التي أوجب عليهم تبليغها، وأَخَذَ عليهم بيانها. وعلى هذا، فلَبْسُ الحق بالباطل ترويج الباطل وإظهاره في صورة الحق، وهذا اللَّبْس هو المبتدأ في التضليل، وإليه الانتهاء في الإضلال؛ فإن أكثر أنواع الضلال الذي أدخل في الإسلام هو من قبيل لبس الحق بالباطل، وفي بعض تاريخ الإسلام خير شاهد على ذلك. وقوله تعالى: { وتكتموا الحق} عطف على قوله سبحانه: { ولا تلبسوا} والمعنى: النهي عن الخلط بين الحق والباطل مقرونًا بكتمان الحق؛ ولك أيضًا أن تجعله منصوبًا بأن المضمرة بعد الواو، والتقدير (وأن تكتموا الحق) والمعنى عليه: لا تخلطوا الحق بالباطل، حال كونكم كاتمين للحق؛ وعلى كلا التوجيهين فالمقصود من الخطاب القرآني النهي عن الخلط بين الحق والباطل، إذ لكل واحد منهما مجاله ووجهته، فلا مجال للقصد إليهما، ولا مجال للخلط بينهما، ولم يبق إلا الفصام بينهما؛ والنهي أيضًا عن كتمان الحق، لما فيه من التضليل والتحريف وطمس الحقيقة التي جاء الإسلام بها للناس كافة.

إعراب قوله تعالى: ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون الآية 42 سورة البقرة

وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. عزمت بسم الله، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا(1). الكهف. لقد أنزل الله تعالى الكتاب ( الفرقان) ليكون للعالمين نذيرا، لكن أعداء الله والدين الذين هم أغواهم الشيطان وزيَّن لهم أعمالهم. قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(39). الحجر. فقد أشركوا كتاب الله المنزل للعالمين نذيرا بما كتبت أيدي البشر ونسبوا كل ذلك إلى الرسول الذي لم يتقول على الله ولم يبلغ إلا ما أنزل إليه في الكتاب. تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا(1). تفسير: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون). الفرقان. لقد أنزل الله تعالى على عبده آيات بينات ليخرج الناس من الظلمات إلى النور. قال رسول الله عن الروح عن ربه: هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ(9). الحديد. بما أن أعداء الله والدين لم يقدروا على تحريف كتاب القرآن، ولم يقدروا أن يأتوا بمثله ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا مثله، فلما لم يقدروا على الإتيان بمثل القرآن لجؤوا إلى الافتراء على الرسول، فقوَّلوه ما لم يقل، لأن الرسول لا يمكن أن ينطق بلسانه إلا بما أُنزِل عليه من القرآن العظيم كاملا في ليلة مباركة هي خير من ألف شهر، فلا يمكن أن يحرك لسانه إلا بما أنزل الله تعالى عليه ليبلغه للعالمين محفوظا كما أُنزل على قلبه ليبشر به المتقين وينذر به قوما لدا.

تفسير: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون)

وقوله تعالى (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) جملة حالية، أى وأنتم من ذوى العلم، ولا يناسب من كان كذلك أن يكتم الحق، أو يلبسه بالباطل، وإذا كان هذا الفعل - وهو لبس الحق بالباطل، أو كتمانه وإظهار الباطل وحده - يعد من كبائر الذنوب، فإن وقعه يكون أقبح، وفساده أكبر، وعاقبته أشأم متى صدر من عالم فاهم، يميز بين الحق والباطل. ففى هذه الجملة الكريمة بيان لحال بنى إسرائيل، المخاطبين بهذا النهى، وتبكيت لهم، لأنهم لم يفعلوا ما فعله عن جهالة، وإنما عن علم وإصرار على سلوك هذا الطريق المعوج. قال أبو حيان فى البحر: " وهذه الحال، وإن كان ظاهرها أنها قيد فى النهى عن اللبس والكتم، فلا تدل بمفهومها على جواز اللبس والكتم حالة الجهل، إذ الجاهل بحال الشيء لا يردى كونه حقاً أو باطلا، وإنما فائدتها بيان أن الإِقدام على الأشياء القبيحة، مع العلم بها، أفحش من الإِقدام عليها مع الجهل.

ولا تلبسوا الحق بالباطل - إسلام أون لاين

وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ} [ القيامة:14-15]. ألا تعجب أن كل فرقة ضالة، وكل جماعة ظالمة، لها من الحديث ما تدافع به عن موقفها، وتجادل به عن اختيارها؟! ولا تلبسوا الحق بالباطل - إسلام أون لاين. إن عامة ما يقال هنا هو من تلبيس الحق بالباطل، ومن آمن بالله واليوم الآخر علم حاجته لمكاشفة النفس، وعرضها على ميزان العدل والحق دون خلط أو تلبيس. هذا ما يتعلق بالمؤمن في خاصة نفسه ودعوته، أما ما يتعلق بالآخرين، فإن الآية تكشف لنا أنه قد يأتي مع الباطل بعض الحق، والمنصف لا يحمله ذلك الباطل على إنكار الحق الذي معه، فيقف في الجملة ضد هذا التلبيس، فإذا جاء التفصيل قَبِل الحق ولو كان مصدره ذلك الملبس الضلّيل. وهذا مقام رفيع من التجرد للحق، والتعالي عن العاطفة والتعصب والأحكام المجملة. فالمسلم مع كرهه لليهود وشركهم، لا يكره من يعظمه اليهود موسى عليه السلام وتعظيم اليهود لموسى عليه السلام لا ينتقص من حبِّنا له شيئًا. وأولئك المغرضون الضالون في كل زمان ومكان يمكن أن تجد في كلامهم بعض الحق يتشبثون ويلبسون به، فالكره والضلال والمقاصد الرديئة لقائل هذا الكلام ليست كافية لرفض الحق الذي معهم، ومن رفضه من أجل قائله فقد سقط في هواه، وشابه ذلك الملبس الضليل في تقديم هواه على اتباع الحق!

بسم الله الرحمن الرحيم تمهيد: الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.. أما بعد: فإن الله - عز وجل - خلق الخلق من الجن والإنس لغاية عظيمة، وهي عبادته - سبحانه - وتوحيده والإخلاص له وحده لا شريك له، قال - تعالى -: ((وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالأِنسَ إِلَّا لِيَعبُدُونِ)) [الذاريات: 56]. ومن أجل ذلك أنزل - سبحانه - الكتب وأرسل الرسل، وزود عباده بالعقول التي تميز الخير من الشر والحق من الباطل، وتكفل - سبحانه - بالعون والتوفيق لمن أراد الهدى والحق فدله إليه ورزقه الانقياد له، وتخلى عمن أعرض عن الحق فلم يقبل به، ولم يستسلم ويخضع له، وكل هذا من الابتلاء الذي خلق الله - سبحانه - الموت والحياة من أجله، قال - تعالى -: ((الَّذِي خَلَقَ المَوتَ وَالحَيَاةَ لِيَبلُوَكُم أَيٌّكُم أَحسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ))) [الملك: 2]. وانقسم الناس إثر ذلك إلى مؤمنين موحدين مدركين للغاية التي من أجلها خلقوا، فصار تدوافعهم كلها في مرضاة الله - سبحانه -، وسخروا كل ما آتاهم الله في هذه الدنيا لخدمة هذه الغاية الشريفة لنيل مرضاة الله - سبحانه وتعالى -، فعملوا للآخرة والفوز برضوان الله والجنة، ومن الناس من أمضى حياته في اللهو واللعب وإيثار الحياة الدنيا، وجعل هذه الدنيا همه وغايته واتبع هواه، فخسر الدنيا والآخرة، ألا ذلك هو الخسران المبين.