وتري الناس سكاري وما هم بسكارى

ثم [ ص: 190] تقتضي هذه الكناية كناية عن تعميم هذا الهول لكل الناس لأن خصوصية هذا المعنى بهذا المقام أنه أظهر في تصوير حالة الفزع والهلع بحيث يذهل فيه من هو في حال شدة التيقظ لوفرة دواعي اليقظة. وذلك أن المرأة لشدة شفقتها كثيرة الاستحضار لما تشفق عليه ، وأن المرضع أشد النساء شفقة على رضيعها ، وأنها في حال ملابسة الإرضاع أبعد شيء عن الذهول فإذا ذهلت عن رضيعها في هذه الأحوال دل ذلك على أن الهول العارض لها هول خارق للعادة. وهذا من بديع الكناية عن شدة ذلك الهول ؛ لأن استلزام ذهول المرضع عن رضيعها لشدة الهول يستلزم شدة الهول لغيرها بطريق الأولى ، فهو لزوم بدرجة ثانية. وترى الناس سكارى. وهذا النوع من الكناية يسمى الإيماء. و ( ما) في عما أرضعت موصولة ماصدقها الطفل الرضيع. والعائد محذوف لأنه ضمير متصل منصوب بفعل ، وحذف مثله كثير. والإتيان بالموصول وصلته في تعريف المذهول عنه دون أن يقول عن ابنها للدلالة على أنها تذهل عن شيء هو نصب عينها وهي في عمل متعلق به وهو الإرضاع زيادة في التكني عن شدة الهول. وقوله وتضع كل ذات حمل حملها هو كناية أيضا كقوله تذهل كل مرضعة عما أرضعت. ووضع الحمل لا يكون إلا لشدة اضطراب نفس الحامل من فرط الفزع والخوف لأن الحمل في قرار مكين.

ص230 - كتاب مختصر صحيح الإمام البخاري - باب وترى الناس سكارى - المكتبة الشاملة

مقالات متعلقة تاريخ الإضافة: 18/7/2019 ميلادي - 16/11/1440 هجري الزيارات: 19513 الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان، ولك الحمد أن جعلتنا من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ، فَتَوَارَى عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ، فَقَالَ: آللهِ؟ قَالَ: آللهِ؟ قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ) [1]. أنا أقف اليوم مع الذين وسَّع الله عليهم، مع الذين أغناهم الله من فضله، مع أصحاب الأموال، يأتي إليهم بعض الناس فيستدين منهم، وأنا لا أتكلم عن الذي يستدين من الناس ليأكل أموالهم بالباطل، ولا عن الذي يستدين من الناس، فيماطل مع إمكان التسديد، بل أتكلم عن إنسان جاءك أيها الغني، يا صاحب المال، واستدان منك مبلغًا من المال، ولكن ضاقت عليه الدنيا بما رحُبت، وتغيَّرت عليه الأحوال، خسِر في تجارته وعمله، وجاء وقت السداد، ولكنه لا يملِك ما يُسدَّد به دَينَه، هذا يسمى في الشريعة الاسلامية بالمعسر.

فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أَبْشِروا؛ فإنَّ منكم رَجُلًا، ومِن يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ ألْفًا»، وهمُ القَومُ الَّذينَ بَنى بسَبَبِهم ذو القَرنينِ السَّدَّ المذكورَ في قولِه تعالَى: {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [الكهف: 95]، وخُروجُهما مِن هذا الرَّدمِ أوِ السَّدِ عَلامةٌ مِن العلاماتِ الكُبرى ليَومِ القيامةِ.

إسلام ويب - تفسير البغوي - سورة الحج - تفسير قوله تعالى " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم "- الجزء رقم5

في حَديثهِ، فيُبْطِلُ اللهُ ما يُلْقِي الشيطانُ، ويُحْكِمُ آياتِهِ. ويقالُ: {أُمْنِيَّتِهِ}: قراءَتُهُ. {إلَاّ أمانِىَّ}: يَقْرَؤُونَ ولا يَكْتُبُونَ. ٨٨٤ - وقالَ مجاهدٌ: {مَشِيدٍ}: بالقَصَّةِ. وقال غيرُه: {يَسْطُونَ}: يَفْرُطُونَ مِنَ السَّطْوَة. ويُقالُ: يَسْطُونَ: يَبْطُشُونَ. {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ}: أُلْهِمُوا. {وهُدُوا إلى صِراطِ الحميدِ}: الإسلامُ. ٨٨٥ - وقالَ ابنُ عباس: " {بسَبَبٍ}: بحبلٍ إلى سقفِ البيتِ". إسلام ويب - تفسير البغوي - سورة الحج - تفسير قوله تعالى " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم "- الجزء رقم5. {تَذْهَلُ}: تُشْغَلُ. ١ - بابٌ {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} (قلتُ: أسند في حديث أبي سعيد المتقدم "ج ٢/ ٦٠ - الأنبياء/ ٩ - باب"). ٢ - بابٌ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ}: شَكٍّ {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} إلى قولهِ: {ذلكَ هُو الضَّلالُ البعيدُ} {أتْرَفْناهُم}: وَسَّعْناهُم. ١٩٣٩ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} ؛ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْمَدِينَةَ؛ فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلَامًا، وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ؛ قَالَ: هَذَا دِينٌ صَالِحٌ.

وكل ذلك يدل بدلالة الأولى على ذهول غيرها من النساء والرجال. وقد حصل من هذه الكناية دلالة على جميع لوازم شدة الهول وليس يلزم في الكناية أن يصرح بجميع اللوازم لأن دلالة الكناية عقلية وليست لفظية. والتحقت هاء التأنيث بوصف ( مرضعة) للدلالة على تقريب الوصف من معنى الفعل ، فإن الفعل الذي لا يوصف بحدثه غير المرأة تلحقه علامة التأنيث ليفاد بهذا التقريب أنها في حالة التلبس بالإرضاع ، كما يقال: هي ترضع. ولولا هذه النكتة لكان مقتضى الظاهر أن يقال: كل مرضع ، لأن هذا الوصف من خصائص الأنثى فلا يحتاج معه إلى الهاء التي أصل وضعها للفرق بين المؤنث والمذكر خيفة اللبس. ص230 - كتاب مختصر صحيح الإمام البخاري - باب وترى الناس سكارى - المكتبة الشاملة. وهذا من دقائق مسائل نحاة الكوفة وقد تلقاها الجميع بالقبول ونظمها ابن مالك في أرجوزته الكافية بقوله: وما من الصفات بالأنثى يخـص عن تاء استغنى لأن اللفظ نص وحيث معنى الفعل تنوي التاء زد كذي غدت مرضعة طفلا ولـد والمراد: أن ذلك يحصل لكل مرضعة موجودة في آخر أيام الدنيا. فالمعنى الحقيقي مراد ، فلم يقتض أن يكون الإرضاع واقعا. فأطلق ذهول المرضع وذات الحمل وأريد ذهول كل ذي علق نفيس عن علقه على طريقة الكناية. وزيادة كلمة ( كل) للدلالة على أن هذا الذهول يعتري كل مرضع وليس هو لبعض المراضع باحتمال ضعف في ذاكرتها.

معنى شرح تفسير كلمة (سكارى)

يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) قال: تترك ولدها للكرب الذي نـزل بها. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر، عن الحسن ( تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) قال: ذهلت عن أولادها بغير فطام ( وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا) قال: ألقت الحوامل ما في بطونها لغير تمام، ( وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا) يقول: وتسقط كل حامل من شدة كرب ذلك حملها. وقوله ( وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى) قرأت قرّاء الأمصار ( وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى) على وجه الخطاب للواحد، كأنه قال: وترى يا محمد الناس حينئذ سُكارى وما هم بسُكارى. وقد رُوي عن أبي زُرْعة بن عمرو بن جرير (وَتُرَى النَّاسَ) بضم التاء ونصب الناس، من قول القائل: أرِيْت تُرى، التي تطلب الاسم والفعل (7) ، كظنّ وأخواتها. والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار، لإجماع الحجة من القرّاء.

وأما سكرى فهو محمول على نوكى لما في السكر من اضطراب العقل. وله نظير وهو جمع كسلان على كسالى وكسلى. وجملة وما هم بسكارى في موضع الحال من الناس. و ( عذاب الله) صادق بعذابه في الدنيا وهو عذاب الفزع والوجع ، وعذاب الرعب في الآخرة بالإحساس بلفح النار وزبن ملائكة العذاب. وجملة وما هم بسكارى في موضع الحال من ( الناس).