ان هذا القران

أما هذه الحروف المقطعة التي افتتح الله بها بعض السور، فقد اختلف العلماء رحمهم الله في تفسيرها على أقوال كثيرة نجملها في ثلاثة: القول الأول: أنه لا معنى لها مطلقاً، وليس لها معنى في ذاتها، وهذا القول قول مجاهد بن جبر إمام التفسير، وقد أخذ تفسيره عن ابن عباس وغيره من الصحابة، لكنه ممن اختص بـ ابن عباس رضي الله عنه. إن هذا القرآن مأدبة الله. هذا القول استدل له بأن الله عز وجل وصف القرآن بأنه كتاب عربي مبين، وأنه أنزله بلسان عربي مبين، والعرب لا تعرف لهذه الحروف المقطعة معاني؛ هذا القول الأول. القول الثاني: أن هذه الحروف لها معانٍ، وانقسم هؤلاء إلى قسمين، قسم قالوا: لها معنى الله أعلم به، ولا ندرك نحن معناها، والقسم الثاني قالوا أقوالاً في بيان معانيها، فمنهم من قال: إنها أسماء للسور، ومنهم من قال: إنها أسماء للرسول، ومنهم من قال: إنها أسماء من أسماء الله عز وجل، ومنهم من قال: إنها تعبر عن عمر هذه الأمة، وقيل غير ذلك. القول الثالث: التوقف، ومعنى التوقف: أنهم لا يجزمون بأحد القولين، لا يقولون: إن لها معنى، ولا يقولون: ليس لها معنى، بل يتوقفون. هذه ثلاثة أقوال لأهل العلم في الحروف المقطعة التي افتتح الله بها بعض سور القرآن، والراجح من هذه الأقوال الثلاثة هو القول الأول، وهو: أن ليس لها معنى مطلقاً.

ان هذا القرآن

ونفهم من قوله: { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} الحث على تلاوته وتعهده بالحفظ والتدبر والاستذكار، أي رده إلى الذاكرة كلما شرد شيء منه عنها بسبب الغفلة عنه. فتأمل ذلك وبالله توفيقك. * * *

ان هذا القرآن يهدي للتي

وإنما قلنا: ما أجمع عليه العلماء؛ لما وقع من الخلاف في بعض الحروف، هل هي من القرآن أم لا؟ وذلك تبعاً لاختلاف أهل القراءات، فلذلك من كفر بحرف أجمع العلماء على أنه من القرآن فقد كفر به كله. قال رحمه الله: (واتفق المسلمون على عد سور القرآن، وآياته، وكلماته وحروفه)، فأهل الإسلام اعتنوا بهذا القرآن عناية فائقة في ضبطه والإحاطة به، ومعرفته، وهذا من نعمة الله عز وجل على هذه الأمة: فإنه سبحانه وتعالى لم يكل حفظ القرآن إلى فئة من الناس، بل إن الأمة تلقت هذا القرآن جيلاً بعد جيل ينقله السلف عن الخلف بكلمات ثابتة واضحة.. تلقته الأمة قرناً بعد قرن، ولم يجر فيه أي تغيير، فاذهب حيث شئت من أرض ِأو في سماء تجد أن الأمة متفقة على هذا القرآن ليس بينهم اختلاف فيه، نعم. ان هذا القرآن. قد يختلفون في طريقة أداء القرآن من حيث القراءة، لكنهم لا يختلفون على حروفه وكلماته وآياته، فهي محفوظة بحفظ الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. يقول: (ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر؛ لأنه آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف).

إن هذا القرآن مأدبة الله

إذ كان خاصة الوحي عندهم أنه وعي لحقيقةٍ في نفْس إنسان يحسُّ صاحبها أنها آتية من لدن غيره. ثم استغلوا اكتشاف " فرويد " عن وجود العقل الباطن - وإن لم يسلَمْ هذا الاكتشاف من توجيه الاعتراضات عليه - فزعموا في تعريف الوحي بأنه طائفة من الأفكار الدينيَّة تَختمر في العقل الباطن عند المُستعدِّين لذلك، ثم ترتد إلى وعيهم مرة أخرى على جناح التخيُّل المُسلط بأنها هابطةٌ عليهم من قِبَل الله. وقد راج هذا القول رواجًا كثيرًا في دوائر المُستشرِقين، وأصحاب الفلسفة المادية على الإطلاق، ووصلت عدواه إلى كثير من المثقفين ثقافة ناقصة عِندنا، فخُدعوا فيه وناقشوا به، وسكت عن الرد عليهم علماءُ العصر، فلم أرَ من بينهم مَن وضَعَ ردًّا حاسمًا على هذه الشبهة الغليظة، ما عدا المغفور له الشيخ رشيد رضا ( في كتابه القيم: الوحي المحمدي)؛ فقد طوَّف حول الهدف وبذل ما استطاع - رحمه الله. هذا القرآن. ونحن قائلون بإذن الله تعالى في إسقاط هذه الشبهة قولاً فصلاً. وأول ذلك أن نسألَ أصحاب هذا الرأي: هل الأفكار التي تثبت العقل الباطن لدى مدَّعي النبوة لتختمر هناك وتتفاعل فيه، أفكار بشرية أم هي أفكار إلهية؟ ومن المستحيل أن يزعموا أنها أفكار إلهية، فتعيَّن عليهم أن يقولوا: إنها أفكار بشَرية لا محالة.

وقال أبو بكر و عمر رضي الله عنهما: (إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه)، إعراب القرآن، أي: الإفصاح به وإدراك معانيه. لماذا جاء التركيز على الإعراب؟ لأن الإعراب سلم الفهم، فلا يمكن للإنسان أن يفهم كلام الله إلا إذا أعربه، ولذلك قال ابن عطية رحمه الله: إعراب القرآن أصل في الشريعة؛ لأن به تقوم معانيه التي هي من الشرع. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الحشر - الآية 21. فالمقصود: أن إعراب القرآن بلغ هذا الشأن وهذه الأهمية وهذه المنزلة؛ لأنه سبيل فهم الألفاظ، فإذا لم يقم الإنسان الإعراب لم يتمكن من فهم القرآن، وليس الإعراب أن يعرف الفاعل من المفعول دون أن يفهم ما يترتب على هذا الفهم من الفاعل والمفعول. بل المقصود من الإعراب: أن يفهم كلام الله عز وجل، وأن يدرك المعنى الذي جاءت به الآيات. حكم من جحد حرفاً من القرآن وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (من كفر بحرف فقد كفر به كله)، وهذا مما لا إشكال فيه: فمن أنكر كلمة أجمعت الأمة أنها من القرآن فقد كفر به كله، أي: كفر بجميعه؛ لأن الإيمان لا يتم ولا يثبت بناؤه ولا يستقر قراره إلا بعد أن نؤمن بجميع القرآن، فمن آمن ببعضه وكفر ببعض فإنه لم يؤمن به؛ لأن الله لم يرض من الإيمان بالكتاب إلا أن يؤمن بجميع ما أخبر به سبحانه وتعالى، وجميع ما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم.