وقفة مع آية

قال تعالى: ﴿ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر: 47]. قال ابن رجب [1] - رحمه الله تعالى -: هذه الآية كانت تشتد على الخائفين العارفين، فإنها تقتضي أن من العباد مَن يبدو له عند لقاء الله تعالى ما لم يكن يحتسب، مثل أن يكون غافلاً عما بين يديه، معرضًا عنه، غير مُلتفت إليه، ولا يحتسب له، فإذا كشف الغطاء عايَن تلك الأهوال الفظيعة، فبدا له ما لم يكن في حسابه [2]. ولهذا قال عمر - رضي الله عنه -: (لو أن لي مُلك الأرض، لافتديت من هوْل المطلع) [3]. وقفة مع آية الدين. وقال بعض السلف: كم موقف خزي يوم القيامة لم يخطر على بالك قط، ونظير هذا قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ [ق: 22]. حال السلف مع هذه الآية: قال ابن عُيينة: لَمَّا حضرت محمد بن المنكدر الوفاة [4] ، جزِع، فدعوا له أبا حازم، فجاء، فقال له ابن المنكدر: إن الله يقول: ﴿ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر: 47]، فأخاف أن يبدوَ لي من الله ما لم أكن أحتسِب، فجعلا يبكيان جميعًا [5]. وقال الفضيل بن عياض [6] أخبرت عن سليمان التيمي [7] أنه قيل له: أنت، أنت ومن مثلك؟ فقال: لا تقولوا هذا، لا أدري ما يبدو لي من الله، سمعت الله يقول: ﴿ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر: 47] [8].

وقفة مع آية الدين

قال ابن الجوزي وغيره: " سبب نزولها أن الفُسَّاق كانوا يؤذون النساء إذا خرجن بالليل، فإذا رأوْا المرأة عليها قناع تركوها، وقالوا: هذه حرَّة، وإذا رأوها بغير قناع، قالوا: أَمَة، فآذَوْها، فنزلت هذه الآية ". أول الوقفات: أن هذا الخطاب لنبينا بالأمر بالحجاب تكلَّم به ربنا من فوق سبع سماواته, نعم, لتعلم أن قضية الحجاب ليست قضية هامشية كما يردِّد دعاة التغريب اليوم, لا تستحق منا أن نتحدث فيها, ولا أن نشغل المجتمع بها, كلا, بل هي قضية استحقت أن تفرد لها آية بل آيات تكلم بها الله –سبحانه-, آمرًا به, وحاثًّا عليه. ومع هذا, فحين يصدر هذا الأمر من رب العزة؛ فاليقين أن فيه الخير كله, فلا يأمر ربنا إلا بما فيه الخير, ولذا: فالشر في ترك أمره، والخير كله في اتِّباع أمره. لذا: فلن يكون حجاب المرأة حَجَر عثرة أمام تقدُّمها, وقيامها بواجباتها؛ لأن الذي أمَر به ربنا وهو أعلم بما يصلح ويصون الأمة رجالاً ونساء. ثانيًا: والمأمور بهذا الأمر الرباني هو نبينا -عليه الصلاة والسلام-, ولذا فإن كلَّ آمرٍ بالستر والعفة, كلَّ داعية إلى الحشمة والحجاب فهو مقتدٍ بالمصطفى -عليه السلام-, أنتِ أيتها الداعية في مدرستك ولطالباتك, أنتَ أيها الأب في بيتك, أنت أيها المغرِّد, أنت أيها المصلح في إصلاحك, كلكم حين تأمرون بالحجاب, وتحثون عليه, وتجاهدون في الوقوف ضد دعاة نزعه والتهكم به, وتكشفون عوار متبعي الشهوات الذين يريدون منكم أن تميلوا ميلاً عظيمًا, إنكم بكل هذا لكم برسولكم أسوةٌ, وقدوة, فنبينا أمر النساء بإدناء الجلابيب, فمن دعاهنَّ إلى ذلك فهو على الهدى المستبين.

[2] تفسير ابن كثير (1/522). [3] صحيح البخاري (3/182) برقم (4435)، وصحيح مسلم (4/1893) برقم (2444). [4] فتح الباري (8/138). [5] صحيح ابن حبان (5/184) برقم (3429). [6] صحيح مسلم (1/353) برقم (489). [7] تفسير ابن كثير (1/523). [8] صحيح البخاري (4/123) برقم (6169)، وصحيح مسلم (4/2034) برقم (2640). [9] صحيح البخاري (2/434) برقم (3256)، وصحيح مسلم (4/2177) برقم (2831).