دع ما يريبك

للأستاذ عمر بن عبدالله العمري الحديث الحادي عشر عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته رضي الله عنه ، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). * * * إعراب الحديث: { دع}: فعـل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقدير أنت. { ما}: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. { يريبك}: يريب فعل مضارع مرفوع بالضمة ، والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هو. { الكاف}: ضمير مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. { إلى}: حرف جر. { ما} اسم موصول مبني على السكون في محل جر. { لا}: نافية. { يريبك}: سبق. إعرابها ومحلها كالأولى. قال ابن دقيق العيد رحمه الله في الشرح: ( قوله: { يريبك} يروى بفتح الياء وضمها ، والفتح أفصح وأشهر). * * *

  1. دع ما يريبك إلا ما لا يريبك
  2. دع ما يريبك الى ما لا يريبك
  3. دع ما يريبك الى مالا يريبك
  4. دع ما يريبك إلى ما يريبك
  5. دع ما يريبك إلى ما لا يريبك

دع ما يريبك إلا ما لا يريبك

كلمات لبعض العلماء قال الخطابي رحمه الله كل شيء يشبه الحلال من وجه والحرام من وجه هو شبهة والحلال اليقين ما علم ملكه يقينا لنفسه والحرام البين ما علم ملكه لغيره يقينا والشبهة ما لا يدري أهو له أو لغيره فالورع اجتنابه. وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "دَعْ الواحد الذي يريبك -يعني: الشيء الواحد الذي يريبك- إلى أربعة آلاف لا تريبك". يعني ابن مسعود أن الذي يريب قليل، والذي لا يريب المرء -سواء في الأقوال أو في الأعمال أو في الاعتقادات- هذا كثير ولله الحمد. ما يستفاد من حديث دع ما يريبك 1_ قال بعض العلماء: المشتبهات ثلاثة أقسام: منها ما يعلم الإنسان أنه حرام ثم يشك فيه هل زال تحريمه أم لا ؟ كالذي يحرم على المرء أكله قبل الذكاة إذا شك في ذكاته لم يزل التحريم إلا بيقين الذكاة. والقسم الثاني: وعكس ذلك أن يكون الشيء حلالا فيشك في تحريمه كرجل له زوجة فشك في طلاقها أو أمة فيشك في عتقها فما كان من هذا القسم فهو على الإباحة حتى يعلم تحريمه و القسم الثالث: أن يشك في شيء فلا يدري أحلال أم حرام ؟ ويحتمل الأمرين جميعا ولا دلالة على أحدهما فالأحسن التنزه كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم في التمرة الساقطة حين وجدها في بيته فقال [ لو لا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها] وأما إذا لم يكن هناك أية شبهة فيجب أن لا يلتفت إليه والتوقف فيه شكا في كونه حلالا من وسوسة شيطان إذ ليس فيه من معنى الشبهة شيء.

دع ما يريبك الى ما لا يريبك

هذا الحديث خرجه الإمام أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن حبان في " صحيحه " والحاكم من حديث بريد بن أبي مريم ، عن أبي الحوراء السعدي عن الحسن بن علي ، وصححه الترمذي ، وأبو الحوراء السعدي ، قال الأكثرون: اسمه ربيعة بن شيبان ، ووثقه النسائي وابن حبان ، وتوقف أحمد في أن أبا الحوراء اسمه ربيعة بن شيبان ، ومال إلى التفرقة بينهما ، وقال الجوزجاني: أبو الحوراء مجهول لا يعرف. وهذا الحديث قطعة من حديث طويل فيه ذكر قنوت الوتر ، وعند الترمذي [ ص: 279] وغيره زيادة في هذا الحديث وهي " فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة " ولفظ ابن حبان: " فإن الخير طمأنينة ، وإن الشر ريبة ". وقد خرجه الإمام أحمد بإسناد فيه جهالة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وخرجه من وجه آخر أجود منه موقوفا على أنس. وخرجه الطبراني من رواية مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعا ، قال الدارقطني: وإنما يروى هذا من قول ابن عمر ، وعن عمر ، ويروى عن مالك من قوله. انتهى. ويروى بإسناد ضعيف ، عن عثمان بن عطاء الخراساني - وهو ضعيف - ، عن أبيه ، عن الحسن ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " قال: وكيف لي بالعلم بذلك ؟ قال: " إذا أردت أمرا ، فضع يدك على صدرك ، فإن القلب يضطرب للحرام ، ويسكن للحلال ، وإن المسلم الورع يدع الصغيرة مخافة الكبيرة ".

دع ما يريبك الى مالا يريبك

- مثال آخر: رجل انتهى من الصلاة وسلم، ثم شك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً، فماذا يصنع؟ الجواب: لايلتفت إلى هذا الشك، فالأصل صحة الصلاة مالم يتيقن أنه صلى ثلاثاً فيأتي بالرابعة إذا لم يطل الفصل ويسلم ويسجد للسهو ويسلم.. 3أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً، لأن هاتين الجملتين: "دع مايريبك إلى مالايريبك" لو بنى عليهما الإنسان مجلداً ضخماً لم يستوعب ما يدلان عليه من المعاني، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

دع ما يريبك إلى ما يريبك

يقول: ما كنت أُحسن الكهانة، إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك، والناس يحفظون، إذا وقع ذلك مرة وفاقاً للواقع فيحفظونها وينسون الأشياء الكثيرة، كما جاء عن النبي ﷺ، يسترق السمع ويكذب معه مائة كذبة. فيحفظ الناس ما وافق وما وقع، وينسون الباقي، وهذا مشاهد، حتى الذين يعبرون الرؤى أحياناً، ولهم جرأة عجيبة لبعضهم، لربما يحدد لهم التاريخ والساعة واليوم والشهر وغير ذلك، ولا يحصل، ويفسر أشياء كثيرة ولا تحصل، فإذا حصلت واحدة تناقلها الناس. يقول: فأعطاني بذلك، هذا الذي أكلتَ منه، فأدخل أبو بكر يده فَقَاء كل شيء في بطنه، رواه البخاري. أبو بكر  قَاء كل شيء في بطنه، هذا من الورع، هل هذا من الورع الواجب أو أنه من الورع المستحب؟ الذي يظهر -والله أعلم- أنه من الورع المستحب، وليس من الورع الواجب، بمعنى أن أبا بكر  حينما أكل إنما أخذ بالظاهر، فالظاهر أن هذا الإنسان الغلام مسلم، ويعمل له بمعاملات مباحة فيأكل مما جاءه به، وليس مطالباً في كل مرة أن يسأل وينقر: من أين جئت به؟ من أين اكتسبته؟ فإن هذا لا يشرع، فلما أكل إنما أخذ بحسب الظاهر، وهذا لا إشكال فيه، فلما تبين له بعد ذلك، أدخل أصبعه في فمه، ثم تقيأ.

دع ما يريبك إلى ما لا يريبك

وقد رؤي سفيان الثوري في المنام، وله جناحان يطير بهما في الجنة ، فقيل له: "بم نلت هذا؟"، فقال: "بالورع". وللفقهاء وقفة عند هذا الحديث، فقد استنبطوا منه قاعدة فقهية مهمة تدخل في أبواب كثيرة من الأحكام، ونصّ القاعدة: " اليقين لا يزول بالشك"، فنطرح الشك ونأخذ باليقين، وحتى نوضّح المقصود من هذه القاعدة نضرب لذلك مثلًا، فإذا أحدث رجل، ثم شك: هل تطهّر بعد الحدث أم لا؟ فإن الأصل المتيقّن منه أنه قد أحدث، فيعمل به، ويلزمه الوضوء إذا أرد أن يصلي؛ عملا بالقاعدة السابقة، وهكذا إذا توضأ ثم شك: هل أحدث بعد الوضوء أم لا؟ فالأصل أنه متوضأ؛ لأن وضوءه متيقنٌ منه، وحدثُه مشكوك فيه، فيعمل باليقين. وللحديث زيادة أخرى وردت في بعض طرق الحديث، فقد جاء في الترمذي: « فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة » ، وفي ذلك إشارة إلى أن المسلم إذا ابتعد عن كل ما يريبه، فقد حمى نفسه من الوقوع في الحرام من باب أولى، وهذا يورثه طمأنينة في نفسه، مبعثها بُعده عن طريق الهلاك، أما إذا لم يمتثل للتوجيه النبوي، وأبى الابتعاد عن طريق الشبهات، حصل له القلق والاضطراب، لأن من طبيعة المشكوك فيه ألا يسكن له قلب، أو يرتاح له ضمير. وخلاصة القول: إن هذا الحديث يعطي تصورًا واضحًا للعبد فيما يأخذ وفيما يترك، ومدى أثر ذلك على راحة النفس وطمأنينة الروح، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الورع والتقى؛ إنه وليّ ذلك والقادر عليه.

والمراد بالمسجد في الحديث الصلاة كما صرح بذلك أبو داود في روايته بدليل ما رواه البخاري ومسلم عن عباد بن تميم عن عمه: أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة؟ فقال: " لا ينفتل – أو لا ينصرف - حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا ". وليس المراد سماع الصوت أو وجدان الريح في التحقق من نقض الوضوء, بل هو مثل لما سواه من النواقض، كخروج قطرة من البول أو المذي أو الودي ونحو ذلك. وليس سماع الصوت ووجدان الريح شرطاً في نقض الوضوء، بل متى تيقن من حصول الناقض وجب عليه قطع الصلاة وإعادة الوضوء. ومن أدلة هذه القاعدة أيضاً ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه: " إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْت لَهُ صَلَاتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ ". ولو تتبعت أبواب الفقه لوجدت صوراً كثيرة من الوساوس التي تعتري الناس في عباداتهم ومعاملاتهم مما لا تطيل الكلامم فيه هنا، ولكن ينبغي أن تعلم أن الوسوسة آفة من الآفات التي يصعب على المرء تلافيها إذا ما استحكمت في العقل، وتمكنت منه، فإنها لو تمكنت منه أخبلته وأفسدت قريحته وانحرفت به عن الجادة، وربما ذهبت به – والعياذ بالله تعالى.