قوله تعالى : (فسقى لهما ثم تولى الى الظل) - الخطيب الحسيني عبدالجليل الزاهر 1443هـ - Youtube, الباحث القرآني

ومنها مباشرة المرأة الأعمال والسعي في طرق المعيشة ، ووجوب استحيائها ، وولاية الأب في النكاح ، وجعل العمل البدني مهرا ، وجمع النكاح والإجارة في عقد واحد ، ومشروعية الإجارة. وقد استوفى الكلام عليها القرطبي. وفي أدلة الشريعة الإسلامية غنية عن الاستنباط مما في هذه الآية إلا أن بعض هذه الأحكام لا يوجد دليله في القرآن ، ففي هذه الآية دليل لها من الكتاب عند القائلين بأن شرع من قبلنا شرع لنا. وفي إذنه لابنتيه بالسقي دليل على جواز معالجة المرأة أمور مالها وظهورها في مجامع الناس إذا كانت تستر ما يجب ستره ، فإن شرع من قبلنا شرع لنا إذا حكاه شرعنا ولم يأت من شرعنا ما ينسخه. ذكرى — فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ.... وأما تحاشي الناس من نحو ذلك فهو من المروءة ، والناس مختلفون فيما تقتضيه المروءة والعادات ، متباينة فيه ، وأحوال الأمم فيه مختلفة ، وخاصة ما بين أخلاق البدو والحضر من الاختلاف. ودخول ( لما) التوقيتية يؤذن باقتران وصوله بوجود الساقين. واقتران فعل ( سقى) بالفاء يؤذن بأنه بادر فسقى لهن ، وذلك بفور وروده. ومعنى " فسقى لهما " أنه سقى ما جئن ليسقينه لأجلهما ، فاللام للأجل ، أي لا يدفعه لذلك إلا هما ، أي رأفة بهما وغوثا لهما. وذلك من قوة مروءته أن اقتحم ذلك العمل الشاق على ما هو عليه من الإعياء عند الوصول.

فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير

وحقيقة الذود طرد الأنعام عن الماء ؛ ولذلك سموا القطيع من الإبل الذود فلا يقال: ذدت الناس ، إلا مجازا مرسلا ، ومنه قوله في الحديث فليذادن أقوام عن حوضي الحديث. والمعنى في الآية: تمنعان إبلا عن الماء. وفي التوراة: أن شعيبا كان صاحب [ ص: 100] غنم وأن موسى رعى غنمه. فيكون إطلاق " تذودان " هنا مجازا مرسلا ، أو تكون حقيقة الذود طرد الأنعام كلها عن حوض الماء. وكلام أيمة اللغة غير صريح في تبيين حقيقة هذا. وفي سفر الخروج: أنها كانت لهما غنم ، والذود لا يكون إلا للماشية. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير. والمقصود من حضور الماء بالأنعام سقيها. فلما رأى موسى المرأتين تمنعان أنعامهما من الشرب سألهما: ما خطبكما ؟ وهو سؤال عن قصتهما وشأنهما إذ حضرا الماء ولم يقتحما عليه لسقي غنمهما. وجملة " قال ما خطبكما " بدل اشتمال من جملة ووجد من دونهم امرأتين تذودان. والخطب: الشأن والحدث المهم ، وتقدم عند قوله تعالى قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه ، فأجابتا بأنهما كرهتا أن تسقيا في حين اكتظاظ المكان بالرعاء ، وأنهما تستمران على عدم السقي كما اقتضاه التعبير بالمضارع إلى أن ينصرف الرعاء. والرعاء: جمع راع. والإصدار: الإرجاع عن السقي ، أي حتى يسقي الرعاء ويصدروا مواشيهم ، فالإصدار جعل الغير صادرا ، أي حتى يذهب رعاء الإبل بأنعامهم فلا يبقى الزحام.

يبذل المعروفَ صافٍ كالزلال.. ليس بالمنانِ كلا، ليس يؤذي مَنْ وَصَل، نَفْعُهُ نفعٌ عريضٌ، قد كساه بالجلال. ليس الكريمُ إذا أعطى بمنانِ *** مُتَهَلِّلٌ مستبشرٌ بعطائه تَرَاهُ إِذَا مَا جِئْتَهُ مُتَهَلِّلاً *** كأنَّكَ تُعْطِيْهِ الذي أَنْتَ سَائِلُه ( قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى.. )[البقرة:263-264]، مُخلِصٌ في بذلِهِ.. في نَفْعِهِ يَرْجُو الثواب. لم يَلْتَفِت يَوْماً إلى معروفٍ أسداه، ولم يتحدَث يوماً عن مناقبٍ له، ولا عن معروفٍ صَنَعَتْهُ يداهُ. لَه قَلْبٌ نحو السماء يُحَلِّقُ، قَلْبٌ مُخلِصٌ لا يبتغي في بذْلِهِ إلا الإله ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)[الإنسان:9]. إعراب قوله تعالى: فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنـزلت إلي الآية 24 سورة القصص. صِفَةٌ التَزَمُوها، أثنى اللهُ عليهم بها.. لم تَتَحَدَّثْ بها ألسِنَتُهُم، وإنما تَحَدَّثَت بها أحوالُهم. اطَّلَعَ اللهُ عليها في سرائِرُهُم. ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[النساء:114].

ذكرى — فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ...

القول في تأويل قوله تعالى: فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْـزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) يقول تعالى ذكره: فسقى موسى للمرأتين ماشيتهما, ثم تولى إلى ظلّ شجرة ذُكِر أنها سَمُرة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي ( ثُمَّ تَوَلَّى) موسى إلى ظلّ شجرة سَمُرة, فقال: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْـزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ). حدثني العباس, قال: ثنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ, قال: ثنا القاسم, قال: ثني سعيد بن جُبَيْر, عن ابن عباس, قال: انصرف موسى إلى شجرة, فاستظلَّ بظلِّها, ( فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْـزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ). حدثني الحسين بن عمرو العنقزي, قال: ثنا أبي, قال: ثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن عمرو بن ميمون, عن عبد الله, قال: حثثت على جَمَل لي ليلتين حتى صبحت مدين, فسألت عن الشجرة التي أوى إليها موسى, فإذا شجرة خضراء تَرفّ, فأهوى إليها جملي وكان جائعا, فأخذها جملي, فعالجها ساعة, ثم لفظها, فدعوت الله لموسى عليه السلام, ثم انصرفت. وقوله: ( فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْـزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) محتاج.

استوقفتني فكرة المقال عندما استبصرت صنائع المعروف في سورة القصص, وكأن حشود الرِعاء تصطف أمامي, ومن دونهم امرأتين تذودان, وكان مشهداً زاخراً ختامه {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} إنه نبي الله موسى عليه السلام وقد حمل قيمة عظيمة, وإحاطة أعظم بأركان تلك الصناعة الإنسانية التي لم تدخل المعامل, ولم تمر على مواصفات ومقاييس ولم توضع لها لوائح وإجراءات، فكانت نموذجاً لابد من بسطه, وبدايةً تحولت إلى قرار, ونهايةً أصبحت تشريع, ونهجاً حرياً بأن يُحْتذى وإلا «كانت أمة هي أربى من أمة». قال تعالى في قصة موسى عليه السلام: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} (24) سورة القصص} آية 23 -24. إنها لحظاتٌ غاية في خصوصيتها, تحمل أضواء عظيمة للنفس الإنسانية، يمتزج فيها الشعور بقيمة المعروف والتآزر والوعي المطلق بأنه لابد من دفقة شعور تملأ المكان, ليكون ذلك الفضاء حكاية تروي صياغة مختلفة لنمط حياة كانت تخلو من دفء المعروف، {لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}، كما تباهي بكفاءة الباذلين الذين لا يُتبعون المعروف بالمن والأذى.

إعراب قوله تعالى: فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنـزلت إلي الآية 24 سورة القصص

ومن الخير أن جعل نصر قومه على يده ، وأن أنجاه من القتل الثاني ظلماً ، وأن هداه إلى منجى من الأرض ، ويسر له التعرف ببيت نبوءة ، وأن آواه إلى ظل. و ( ما) من قوله { لما أنزلت إلي} موصولة كما يقتضيه فعل المضي في قوله { أنزلت} لأن الشيء الذي أنزل فيما مضى صار معروفاً غير نكرة ، فقوله ( ما أنزلت إلي) بمنزلة المعرف بلام الجنس لتلائم قوله { فقير} أي فقير لذلك النوع من الخير ، أي لأمثاله. وأحسن خير للغريب وجود مأوى له يطعم فيه ويبيت وزوجة يأنس إليها ويسكن. فكان استجابة الله له بأن ألهم شعيباً أن يرسل وراءه لينزله عنده ويزوجه بنته ، كما أشعرت بذلك فاء التعقيب في قوله { فجاءته إحداهما} [ القصص: 25].

ومن هنا نصل إلى ختام مقال قال تعالى ثم تولى إلى الظل معنى تولى في الآية، وقد ذكرنا أن تولى جاءت بما رجع وقيل انصرف، ثم تعرفنا على تفسير الآية الكريمة التي ذكرت حال موسى في مساعدته للفتاتين، ومن ثم تطرقنا لتفصيل القصة في السطور السابقة.

العجب والله ليس من وضوح أنَّ أعظم باطل ينقض دين الإسلام من أساسه، بل لا ينقض دين الإسلام مثله، أعنـي أن يتـمَّ جمع عبدة الطواغيت الذين جعل القرآن البراءة من شركهم وعبادتهم لغير الله تعالى، شرطـاً لصحة الإسلام، أن يتمَّ جمعهم في مؤتمر، لا لدعوتهم للإسلام، وإقامة الحجة عليهم، وبيان رسالة محمد صلى الله عليه وسلم الهادية الشاملة لكل فلاح. بل جمعهـم تحت شعار: كلُّنا نعبد ربَّا واحداً!! ليس العجب من هذا وربِّ الكعبة، فحتَّى أجهل عجائز المسلمين تعلــم أنَّ قوله تعالى {قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد} هي أصل الدين.

سورة الكافرون المصحف الالكتروني القرآن الكريم

ثم قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون ١ - ٦]. هذه السورة هي إحدى سورتَيِ الإخلاص؛ لأن سورتَيِ الإخلاص: (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد)، «وكان النبي ﷺ يقرأُ بهما في سُنَّة الفجر، وفي سُنَّة المغرب، وفي ركعتَيِ الطواف»[[أخرج أحمد (٥٢١٥) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله ﷺ قرأ في الركعتين قبل الفجر والركعتين بعد المغرب بضعًا وعشرين مرَّةً أو بضع عشرة مرَّةً: (قل يا أيها الكافرون) و(قل هو الله أحد). وأخرج مسلم (١٢١٨ /١٤٧) من حديث جابر الطويل في الحج أنَّ النبي ﷺ كان يقرأ في الركعتين (قل هو الله أحد) و(قل يا أيها الكافرون). ]]؛ لِمَا تضمَّناه من الإخلاص لله عز وجل، والثناء عليه بالصفات الكاملة في سورة (قل هو الله أحد). يقول الله آمِرًا نبيَّه: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ يُناديهم، يُعْلن لهم بالنداء: ﴿يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾، وهذا يشمل كلَّ كافرٍ؛ سواءٌ كان من المشركين، أو من اليهود، أو من النصارى، أو من الشيوعيِّين، أو من غيرهم؛ كلُّ كافرٍ يجب أن تناديه بقلبك أو بلسانك إن كان حاضرًا لتتبرَّأ منه ومن عبادته.

لِمَ هذا التكرار في قوله تعالى {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} ؟ – أصداء يمانية

[ ص: 357] سورة الكافرون مكية في قول ابن مسعود والحسن وعكرمة ، ومدنية في أحد قولي ابن عباس وقتادة والضحاك. بسم الله الرحمن الرحيم قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين قل يا أيها الكافرون الآيات ، ذكر محمد بن إسحاق أن سبب نزولها أن الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأمية بن خلف لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد هلم فلتعبد ما نعبد. ونعبد ما تعبد ، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله ، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه ، وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما بيديك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه ، فأنزل الله تعالى قل يا أيها الكافرون فصار حرف الأمر في هذه السورة وسورة الإخلاص والمعوذتين متلوا ، لأنها نزلت جوابا ، عنى بالكافرين قوما معينين ، لا جميع الكافرين ، لأن منهم من آمن ، فعبد الله ، ومنهم من مات أو قتل على كفره ، وهم المخاطبون بهذا القول فمنهم المذكورون. لا أعبد ما تعبدون يعني من الأوثان. [ ص: 358] ولا أنتم عابدون ما أعبد يعني الله تعالى وحده ، الآيات.

وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ تفسير بن كثير هذه سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، فقوله تعالى: { قل يا أيها الكافرون} يشمل كل كافر على وجه الأرض، ولكن الموجهون بهذا الخطاب هم كفار قريش دعوا رسول اللّه إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنزل اللّه هذه السورة وأمر رسوله صلى اللّه عليه وسلم فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية، فقال: { لا أعبد ما تعبدون} يعني من الأصنام والأنداد، { ولا أنتم عابدون ما أعبد} وهو اللّه وحده لا شريك له، ثم قال: { ولا أنا عابد ما عبدتم.