عز الدين أيبك – قصة حياة أول سلاطين دولة المماليك في مصر - نجومي

كان الملك المعز عزّ الدين أيبك من الذكاء بحيث إنه لم يصطدم بشجرة الدرّ ولا بزعماء المماليك البحرية في أول أمره.. بل بدأ يقوي من شأنه، ويعد عدته تدريجيًا، فبدأ يشتري المماليك الخاصة به، ويعد قوَّة مملوكية عسكرية تدين له هو شخصيًا بالولاء، وانتقى من مماليك مصر من يصلح لهذه المهمة، وكوّن ما يعرف في التاريخ «بالمماليك المعزية»[4] نسبة إليه (المعز عز الدين أيبك)، ووضع على رأس هذه المجموعة أبرز رجاله، وأقوى فرسانه، وأعظم أمرائه مطلقًا وهو «سيف الدين قطز»[5]. وكان هذا هو أول ظهور تاريخي للبطل الإسلامي الشهير: سيف الدين قطز، فكان يشغل مركز قائد مجموعة المماليك الخاصة بالملك المعز عز الدين أيبك.. وسيأتي إن شاء الله حديث قريب عن قطز وعن أصله. ومع أن الملك المعز عزّ الدين أيبك نفسه من المماليك البحرية فإنه بدأ يحدث بينه وبينهم نفور شديد.. أما هو فيعلم مدى قوتهم وارتباطهم بكلمة زوجته شجرة الدرّ التي لا تريد أن تعامله كملك بل «كصورة ملك».. وأما هم فلا شك أن عوامل شتى من الغيرة والحسد كانت تغلي في قلوبهم على هذا المملوك صاحب الكفاءات المحدودة في نظرهم الذي يجلس الآن على عرش مصر، ويُلقب بالملك.. أما هم فيلقبون بالمماليك.. وشتان!

  1. عز الدين ايبك - YouTube
  2. نبذة عن عز الدين أيبك - سطور

عز الدين ايبك - Youtube

هكذا فكرت شجرة الدر! بالفعل دبرت مؤامرة لئيمة لقتل زوجها الملك، وتم تنفيذ المؤامرة فعلًا في قصرها في شهر ربيع الأول سنة655 هجرية، لينتهي بذلك حكم المعز عزّ الدين أيبك بعد سبع سنوات من الجلوس على عرش مصر، وهكذا تكون شجرة الدرّ قد قتلت اثنين من سلاطين مصر: توران شاه ثم عز الدين أيبك[4]. علم الجميع بجريمة القتل، وأسرع سيف الدين قطز قائد الجيش والذراع اليمنى للمعز عز الدين أيبك، ومعه ابن عزّ الدين أيبك من زوجته الأولى وكان اسمه نور الدين علي.. أسرعا ومعهما فرقة من المماليك المعزية، وألقيا القبض على شجرة الدرّ[5]. وطلبت أمّ نور الدين علي (زوجة المعز عزّ الدين أيبك الأولى) أن يترك لها الأمر في التصرف مع ضرتها شجرة الدرّ، وكانت النهاية المأساوية المشهورة، أن أمرت أمّ نور الدين جواريها أن تُقتل الملكة السابقة «ضربًا بالقباقيب»! [6] ولعل هذا هو حادث القتل الوحيد في القصة الذي له خلفية شرعية مقبولة، فقد قتلت شجرة الدرّ عزّ الدين أيبك دون مسوغ معقول.. فليس الزواج من امرأة أخرى جريمة، وليس الانفراد بالحكم دون الانصياع لحكم الزوجة جريمة، ولذلك فليس لديها مسوغ شرعي للقتل فكان لا بُدَّ أن تُقتل.. لكن المؤكد أن الطريقة التي قتلت بها لم تكن طريقة شرعية.. بل كانت طريقة نسائية بحتة.. لم يقصد منها القتل فقط، بل قصد منها الإهانة والتحقير والذل، على نحو ما فُعل بالخليفة المستعصم بعد ذلك عند سقوط بغداد عندما قتل رفسًا بالأقدام!

نبذة عن عز الدين أيبك - سطور

نهاية الملك المعز عملة من زمن شجر الدر بعد فترة خلت الساحة لعز الدين أيبك، وبدأ يظهر قوته، ويبرز كلمته، وبدأ دور شجرالدرّ يقل، فقد اكتسب الملك المعز الخبرة اللازمة، وزادت قوة مماليكه المعزية، واستقرت الأوضاع في بلده، فرضي عنه شعبه، واعترف له الخليفة العباسي بالسيادة، وأخذ بعد ذلك يخطط لمستقبله ومن يورث العرش خاصة وأن شجرالدر لن تستطيع الانجاب لبلوغها الخمسين من عمرها، وزاد طموحه ليرسل إلي بدر الدين لؤلؤ حاكم الموصل يطلب منه أن يزوجه بابنته، لتسوء علاقته بشجرالدر التي غضبت أشد الغضب بعد علمها أنه ينوي استقبال العروس الجديدة في قصر القلعة.

ملخص المقال من هو عز الدين أيبك؟ وكيف تولى ملك مصر؟ والفترة التي حكم فيها؟ والمواجهات التي تصدى لها.. عن كل ذلك يكتب د. راغب السرجاني هذا المقال. دبرت شجرة الدرّ أمرها للزواج من أجل التنازل عن الحكم ظاهريًا وفي الباطن تكون هي الحاكم الفعلي للبلاد، وحتى تضمن ولاء المماليك، قررت أن تختار رجلًا منهم، فلو كان هذا الرجل هو السند الشرعي للحكم، فالمماليك هم السند الفعلي والعسكري والواقعي للحكم. ومن ثَمَّ اختارت رجلًا من المماليك اشتهر بينهم بالعزوف عن الصراع، والبعد عن الخلافات، والهدوء النسبي، وكلها صفات حميدة في نظر شجرة الدر، فوجدت في هذا الرجل ضالتها.. وكان هذا الرجل هو «عزّ الدين أيبك التركماني الصالحي».. وهو من المماليك الصالحية البحرية.. أي من مماليك زوجها الراحل الملك الصالح نجم الدين أيوب.. ولم تختر شجرة الدرّ رجلًا من المماليك الأقوياء أمثال فارس الدين أقطاي أو ركن الدين بيبرس ؛ وذلك لتتمكن من الحكم بلا منازع. وبالفعل تزوجت شجرة الدرّ من عز الدين أيبك، ثم تنازلت له عن الحكم كما رسمت، وذلك بعد أن حكمت البلاد ثمانين يومًا فقط، وتم هذا التنازل في أواخر جمادى الآخرة من السنة نفسها.. سنة 648 هجرية[1].. وهكذا في غضون سنة واحدة فقط جلس على كرسي الحكم في مصر أربعة ملوك.. وهم الملك الصالح أيوب ثم مات، فتولى توران شاه ابنه ثم قتل، فتولت شجرة الدرّ ثم تنازلت، فتولى عزّ الدين أيبك التركماني الصالحي!