اني قريب اجيب دعوة المضطر

ولسائل أن يسأل: فما لنا ندعو فلا يُستجاب لنا؟ وفي الجواب على هذا نختار ما أجاب به القرطبي عن هذا الإشكال، إذ قال رحمه الله: الجواب أن يُعْلَم أن قوله الحق في الآيتين { أُجيب} و{ أستجب}لا يقتضي الاستجابة مطلقًا لكل داع على التفصيل، ولا بكل مطلوب على التفصيل، فقد قال ربنا تبارك وتعالى في آية أخرى: { ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين} (الأعراف:55) وكل مصر على كبيرة عالمًا بها أو جاهلاً فهو معتد، وقد أخبر أنه لا يحب المعتدين، فكيف يُستجاب له؛ وأنواع الاعتداء كثيرة. ويمكن أن يقال أيضًا: إن إجابته سبحانه متعلقة بإرادته، فيجيب لمن يشاء من عباده، ويُعْرِض عمن يشاء، لحكمة يريدها الله، يؤيد هذا قوله تعالى: { فيكشف ما تدعون إليه إن شاء} (الأنعام:41) والقرآن يفسر بعضه بعضًا. اني قريب اجيب دعوة المضطر. إذا تبين هذا كان من اللازم القول: يمنع من إجابة الدعاء موانع لا بد من مراعاتها والتحفظ منها؛ وهي على العموم فعل كل ما لا يرضي الله سبحانه، كأكل الحرام وما كان في معناه، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم ذكر (... الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب}، وهذا استفهام على جهة الاستبعاد من قبول دعاء من كانت هذه صفته؛ فإن إجابة الدعاء لا بد لها من شروط في الداعي، وفي الدعاء، وفي الشيء المدعو به.

اني قريب اجيب دعوة الداع

فمن شرط الداعي أن يكون عالمًا أنه لا قادر على قضاء حاجته إلا الله، وأن يدعو بنية صادقة وقلب حاضر، فإن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاه، وأن يكون مجتنبًا لأكل الحرام، وألا يمل من الدعاء. اني قريب اجيب دعوه الداعي اذا دعاني. وغير ذلك من الشروط التي فصل العلماء القول فيها. والذي نخرج به مما تقدم، أن أمر الدعاء في حياة المسلم لا ينبغي أن يُقَلِّل من شأنه، ولا أن يحرم المسلم نفسه من هذا الخير الذي أكرمه الله به، والمسلم حريص على الخير، أولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( واحرص على ما ينفعك) وتأمل في قوله عليه الصلاة والسلام: ( احرص) ليتبين لك قيمة هذا الهدي النبوي. ولا شك فإن النفع كل النفع في الدعاء، وخاصة إذا استوفى أسبابه؛ ولعل فيما خُتمت فيه آية البقرة: { لعلهم يرشدون} ما يؤكد هذا المعنى؛ كما أنَّ فيما خُتمت به آية غافر: { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} ما يشد من أزر هذا المعنى، والله أعلم.

اني قريب اجيب دعوه الداعي اذا دعاني

ومعلوم أن قوله تعالى بعد ذلك: (( فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)) فيه ما يجعل العباد يطمعون في استجابة دعائهم إذا ما استجابوا له سبحانه وتعالى، ولزموا الإيمان به. فإني قريب أجيب - موقع مقالات إسلام ويب. أما الاستجابة له فهي التزام طاعته فيما أمر ونهى ، وهو ما يقتضيه الإيمان ، لهذا تلا قوله تعالى: (( فليستجيبوا لي)) قوله: (( وليؤمنوا بي)) ، وعند التأمل في القولين معا نجد كل منهما يحيل على الآخر ذلك أن الاستجابة لله تعالى تقتضي الإيمان به ، كما أن الإيمان به يقتضي الاستجابة له ، فهما أمران متلازمان يتحققان بالقلب وبالجوارح معا أقوالا وأفعالا. والاستجابة له سبحانه وتعالى والإيمان به يترتب عنهما الرشد لقوله تعالى: (( لعلهم يرشدون)) ، وهو إصابة الحق ، وفي إصابته خير للعباد ، وهو ما يؤكده قوله تعالى: ( ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)) ، وهي الحياة الطيبة التي وعد بها سبحانه تعالى عباده المؤمنين في قوله عز من قائل: (( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)) ، والحياة الطيبة حياتان. الأولى في الدنيا حين يكون المؤمن مستجيبا لربه فيما أمره به ، وفيما نهاه عنه ، وهو يجد طيبها في راحة قلبية تلازمه ، وإن واجهته مشاق ومتاعب فهو لا يبالي بها مع ملازمة تلك الراحة له ، وهو يرتاح لمطعمه ومشربه وملبسه ومسكنه ومركبه …الحلال ، ويتنعم بذلك في الوقت الذي يلازم صاحب المطعم والمشرب والملبس والمسكن والمركب… الحرام الشعور المنغص لحياته بالرغم مما هو فيه من سعة رزق من حرام.

تفسير القرآن الكريم