تفسير سورة المائدة

[١] ويأمر الله المؤمنين بأن يكونوا مؤمنين به يلازمهم الإيمان، ويكون ذلك بالقيام لله وحده، لا لأي غرض من أغراض الدنيا وأن يقصدوا العدل في كل أمورهم، والعدل يكون في جميع أحوالهم فالله يجازي بأعمالهم خيرها وشرها صغيرها وكبيرها، ثم يُثيب الله -تعالى- من عمل صالحاً بالمغفرة لذنوبهم، وبالعفو عنها وبالأجر العظيم. [١] حال المكذبين والتذكير بنعم الله العظيمة الآيات من (10-13) تصف من يكذب بآيات الله فهم المكذبين وأصحاب النار، وتلك صفة ملازمة لهم ثم تنتقل الآيات لحث عباد الله المؤمنين على ذكر الله بالقلب واللسان، وتدعوهم إلى التوكل على الله -تعالى-، والآيات تُخبر عن الميثاق المؤكد لبني إسرائيل إن قاموا به وإثمهم إن لم يقوموا بذلك فهم في ضلال، كذلك الميثاق الذي أخذ على النصارى وعقوبةً لعدم التزامهم، فهم في عداوة وبغضاء وشقاق. [٢] الدعوة إلى أهل الكتاب ا لآيات من (15-23)، أمرهم الله -تعالى- أن يؤمنوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وبيّن لهم كثيراً مما يُخفون عن الناس، أما الأمر الآخر فهو أنهم نقضوا الميثاق بأقوالهم الشنيعة -تعالى الله عن ذلك-، ومن مقالات اليهود التي لا صحة لها الادعاء بدعوات باطلة فهم يدعون أنهم أحباء الله، فرد الله عليهم أنهم بشر من الخلق شأنهم شأن الخلق في الجزاء والعقوبة.

تفسير سوره المائده قرائه

[ ص: 96] سورة المائدة ( وهي السورة الخامسة ، وآياتها مائة وعشرون عند القراء الكوفيين ، وعليه " فلوجل " ومائة وثنتان وعشرون عند الحجازيين والشاميين ، ومائة وثلاث وعشرون عند البصريين; فالخلاف فيها على فاصلتين فقط). هي مدنية بناء على المشهور من أن المدني ما نزل بعد الهجرة ولو في مكة ، وإلا فقد روي في الصحيح عن عمر أن قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم ( 5: 3) إلخ. تفسير القشيري في سورة المائدة الاية ٧٧. نزل عشية عرفة يوم الجمعة عام حجة الوداع ، وما رواه ابن مردويه عن أبي سعيد ، أنها نزلت يوم غدير خم ، وعن أبي هريرة أنها نزلت في ثامن عشر ذي الحجة مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من حجة الوداع ، كلاهما لا يصح ، وروى البيهقي في شعب الإيمان أن أول المائدة نزل بمنى ، أي عام حجة الوداع ، وروى عن عبيد عن محمد بن كعب ، أنها نزلت كلها في حجة الوداع بين مكة والمدينة. أما التناسب بينها وبين سورة النساء ، فقد قال الكواشي: إنه لما ختم سورة النساء آمرا بالتوحيد والعدل بين العباد أكد ذلك بالأمر بالوفاء بالعقود. ونقل الألوسي عن الجلال السيوطي في بيان ذلك: أن سورة النساء قد اشتملت على عدة عقود صريحا وضمنا; فالصريح عقود الأنكحة ، وعقد الصداق ، وعقد الحلف ، وعقد المعاهدة والأمان ، والضمني: عقد الوصية والوديعة والوكالة والعارية والإجارة ، وغير ذلك ، الداخل في عموم قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ( 4: 58) فناسب أن تعقب بسورة مفتتحة بالأمر بالوفاء بالعقود ، فكأنه قال: يا أيها الناس أوفوا بالعقود التي فرغ من ذكرها في السورة التي تمت وإن كان في هذه السورة أيضا عقود.

تفسير القشيري في سورة المائدة الاية ٧٧

المسألة الرابعة: انتصب { غير} على الحال من قوله { أحلت لكم} كما تقول: أحل لكم الطعام غير معتدين فيه. قال الفراء: هو مثل قولك: أحل لك الشيء لا مفرطا فيه ولا متعديا ، والمعنى أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا أن تحلوا الصيد في حال الإحرام فإنه لا يحل لكم ذلك إذا كنتم محرمين. ثم قال تعالى: { إن الله يحكم ما يريد} والمعنى أنه تعالى أباح الأنعام في جميع الأحوال ، وأباح الصيد في بعض الأحوال دون بعض ، فلو قال قائل: ما السبب في هذا التفصيل والتخصيص كان جوابه أي يقال: أنه تعالى مالك الأشياء وخالقها فلم يكن على حكمه اعتراض بوجه من الوجوه ، وهذا هو الذي يقوله أصحابنا أن علة حسن التكليف هي الربوبية والعبودية لا ما يقوله المعتزلة من رعاية المصالح.

ومن المشترك في الوصايا العامة: الأمر بالقيام بالقسط ، والشهادة بالعدل من غير محاباة لأحد ، وكذا الوصية بالتقوى ، ومن لطائف التناسب فيهما ، أن سورة النساء مهدت السبيل لتحريم الخمر ، وسورة المائدة حرمتها ألبتة ، فكانت متممة لشيء فيما قبلها ، وانفردت سورة المائدة بأحكام قليلة في الطعام والصيد والإحرام ، وحكم البغاة المفسدين ، وحد السارق ، وكفارة اليمين ، وأمثال هذه الأحكام من كماليات الشريعة المؤذنة بتمامها ، كما انفردت " النساء " بأحكامهن وأحكام الإرث والقتال ، وهي مما كان يحتاج إليه عند نزولها.