ومن يتولهم منكم

الثانية: قوله تعالى: ومن يتولهم منكم أي: يعضدهم على المسلمين. فإنه منهم بين تعالى أن حكمه كحكمهم; وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد ، وكان الذي تولاهم ابن أبي ثم هذا الحكم باق إلى يوم القيامة في قطع الموالاة; وقد قال تعالى: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وقال تعالى في " آل عمران ": لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين وقال تعالى: لا تتخذوا بطانة من دونكم وقد مضى القول فيه ، وقيل: إن معنى بعضهم أولياء بعض أي: في النصر ومن يتولهم منكم فإنه منهم شرط وجوابه; أي: لأنه قد خالف الله تعالى ورسوله كما خالفوا ، ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم ، ووجبت له النار كما وجبت لهم; فصار منهم أي: من أصحابهم.

ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون

ولو قيل: إن تلك الجماعات التي تحارب المملكة وتكفرها وتفجر فيها هي التي تعاون الكفار على المسلمين لكان هذا هو الواقع. 2- قولهم موالاة الكفار، ماذا يقصدون بموالاة الكفار؟ إن أرادوا بها: محبتهم ونصرتهم لأجل ظهور دينهم فهذا لم يقع البتة من بلادنا. ومن يتولهم منكم فانه منهم. وإن أرادوا بها: الإسرار إلى الكفار بالمودة لمجرد غرض دنيوي وليس لأجل دينهم فهذا أيضا لم يقع. ومع ذلك لا يقال: إن ذلك كفر مخرج عن الإسلام، فالله تعالى لم يكفر حاطبا رضي الله عنه، مع أنه سبحانه وتعالى أخبرنا أنه أسر إلى الكفار بالمودة، كما في قوله تعالى: (تسرون إليهم بالمودة)، وإنما خاطبهم باسم الإيمان فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة). ورسولنا عليه الصلاة والسلام وهو القدوة لنا استفصل من حاطب رضي الله عنه فأجابه رضي الله عنه أنه إنما فعل ذلك لغرض دنيوي وليس محبة في دينهم فلم يحكم بكفره عليه الصلاة والسلام. فإن قيل: لم يكفره لكونه شهد بدرا بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، وعدم التكفير لمن فعل هذا الفعل خصيصة لأهل بدر لا يشاركهم أحد فيها.

فإذ كان ذلك كذلك ، فالصواب أن يحكم لظاهر التنزيل بالعموم على ما عم ، ويجوز ما قاله أهل التأويل فيه من القول الذي لا علم عندنا بخلافه. ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون. غير أنه لا شك أن الآية نزلت في منافق كان يوالي يهودا أو نصارى خوفا على نفسه من دوائر الدهر ، لأن الآية التي بعد هذه تدل على ذلك ، وذلك قوله: ( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) الآية. وأما قوله: " بعضهم أولياء بعض " ، فإنه عنى بذلك: أن بعض اليهود أنصار بعضهم على المؤمنين ، ويد واحدة على جميعهم ، وأن النصارى كذلك ، بعضهم أنصار بعض على من خالف دينهم وملتهم معرفا بذلك عباده المؤمنين: أن من كان لهم أو لبعضهم وليا ، فإنما هو وليهم على من خالف ملتهم ودينهم من المؤمنين ، كما اليهود والنصارى لهم حرب. فقال تعالى ذكره للمؤمنين: فكونوا أنتم أيضا بعضكم أولياء بعض ، ولليهودي والنصراني حربا كما هم لكم حرب ، وبعضهم لبعض أولياء ، لأن من والاهم فقد أظهر لأهل الإيمان الحرب ، ومنهم البراءة ، وأبان قطع ولايتهم.