إسلام ويب - تفسير المنار - سورة البقرة - تفسير قوله تعالى الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية - الجزء رقم2

فيقول: أهل هذه - يعني الخيل- من الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًّا وعلانية، فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوفٌ عليهم ولا هُمْ يحزَنون. (45). * * * وقال آخرون: عنى بذلك قومًا أنفقوا في سبيل الله في غير إسراف ولا تقتير. * ذكر من قال ذلك: 6233 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " الذين ينفقون أموالهم " إلى قوله: " ولا هم يحزنون " ، هؤلاء أهلُ الجنة. ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: المكثِرون هم الأسفلون. الباحث القرآني. قالوا: يا نبيّ الله إلا مَنْ؟ قال: المكثرون هم الأسفلون، قالوا: يا نبيّ الله إلا مَنْ؟ قال: المكثرون هم الأسفلون. قالوا: يا نبيّ الله، إلا مَنْ؟ حتى خشوا أن تكون قد مَضَت فليس لها رَدّ، حتى قال: " إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله، وهكذا بين يديه، وهكذا خلفه، وقليلٌ ما هُمْ [قال]: (46) هؤلاء قوم أنفقوا في سبيل الله التي افترض وارتضى، في غير سَرَف ولا إملاق ولا تَبذير ولا فَساد " (47). * * * وقد قيل إنّ هذه الآيات من قوله: " إن تُبدوا الصدقات فنعمَّا هي" إلى قوله: " ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " ، كان مما يُعملَ به قبل نـزول ما في " سورة براءة " من تفصيل الزَّكوات، فلما نـزلت " براءة " ، قُصِروا عليها.

الباحث القرآني

ثم تأمل هنا كيف نفى عنهم الخوف والحزن، الخوف هو قلق من أمر في المستقبل، والحزن بعكس ذلك لأمر مضى وقد يُستعمل الحزن بمعنى الخوف لكنه استعمال قليل. ففي هذه الآيات في النفقات نفى الخوف والحزن عن هؤلاء الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى هذا في الآية الثانية، وفي الآية الأخيرة: بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً ، من مجموع ذلك يؤخذ أن الذين ينفقون أموالهم إنفاقًا على وجه من الإخلاص لله  من غير التفات إلى ما سواه من الرياء والسمعة، ومن غير أن يتبعوا ذلك بالمن أو الأذى، كذلك يكون هذا الإنفاق في عموم الأحوال والأوقات أن هؤلاء مع الأجر عند الله إلا أنه ينتفي عنهم الخوف والحزن. هذا الخوف والحزن، الخوف يدخل فيه الخوف مما يكون في الآخرة، لا يخافون في البرزخ في قبورهم، ولا يخافون في المحشر، وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ، فهؤلاء يكونون في حال من الطمأنينة إذا خاف الناس، يدخل في هذا الإطلاق حينما قال: وَلا خَوْفٌ ، فخوف هنا نكرة في سياق النفي فهي للعموم بمعنى أنه لا خوف مُطلقًا فيكون نفيًا للخوف أيضًا في الدنيا، وكذلك في قوله: وَلا خَوْفٌ ، فجاء هنا بضمير الفصل، ولم يقل: ولا يحزنون قال: وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ، الاعتناء بهؤلاء وكذلك لتقوية النسبة بين طرفي الكلام وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ، يعني: لا يتطرق إليهم الحزن.

والحزن قلق من أمر لأمر فائت، فهنا نفى عنهم الخوف والحزن فهذا يشمل الدنيا والآخرة لا يحزنون على ما فاتهم في الدنيا، ولا حزن عليهم في الدنيا، وهذا يدل أيضًا على أن هذه النفقات هي من أعظم أسباب شرح الصدر، وهذا أمر لا يخفى، فالذي ينفق ويعطي بنفسه ويذهب، ولذلك من أكثر الناس انشراحًا وسعادة من بين أهل الإيمان هم أولئك الذين يسعون على الفقراء والأرامل والأيتام ويوصلون ذلك بأنفسهم، الذي يساعد الناس يفرج الكربات ويذهب إلى المحتاجين من غير أن يؤذيهم، ولا يمن عليهم، ويوصل إليهم هذا الإحسان فهذا من أسعد الناس. فبذل الإحسان إلى الناس تقديم المعروف بذل المعروف أيًّا كان كل بحسبه قد يكون هذا من المال، قد يكون البذل بالجهد أن يحمل متاعه، أو أن يعينه على أمر من الأمور، قد يكون هذا الإنسان عنده علم فيبذله للناس، قد يكون هذا الإنسان يعمل في الطب مثلاً فينظر في حاجات الناس، وينظر في أحوالهم وينظر في معاناتهم وينظر في عللهم وأدواءهم ويتلطف بهم ويرعاهم ونحو ذلك فهذا يجد من انشراح الصدر والسعادة حينما يُخفف عن الآخرين المعاناة، فالله  يعوضه بأنواع الألطاف وهذا أمر مشاهد، والجزاء من جنس العمل: ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة [3] ، هذا يوم القيامة فما بالك بالدنيا.