كان الأسود يخاف من أبي شجاع ويهابه، وبعد فترة من الزمن مرض أبو شجاع مرضًا شديدًا وأضطر إلى دخول مصر لكي يتعالج هنالك، فأراد أبو الطيب المتنبي أن يزوره ولكنّه لم يتمكن من ذلك، في هذه الفترة كان أبو شجاع يسأل عن أبو الطيب ويراسله، وبعد مرور الزمن التقيا بالصحراء صدفتًا، فقام أبو شجاع بإهداء أبو الطيب هدية قيمتها ألف دينار، نظم أبو الطيب القصيدة يمدح بها أبو شجاع بكلمات تليق به وبكرمه.
(شرح عقود الجمان في المعاني والبيان، جلال الدين السيوطي، ص ص 277-278)، فأراد الشاعر بالحال، الغنى، فكأنه انتزع من نفسه شخصًا آخر مثله في فقد الخيل والمال والحال، ليحلَّ النطق الحسَن محلَ المال، فتتحقق سعادة الآخرين. وحاصل معنى البيت، أن من فقد المال وعجز عن مساعدة الآخرين، فليهدِهم كلمةً حسنةً ومنطقًا عذبًا، في الحدِّ الأدنى، وقد جاء هذا المعنى في الأحاديث الشريفة، منها «الكلمة الطيبة صدقة»، فهنا توسعة لمفهوم الصدقة على نحو (الحكومة) حسب اصطلاح علم أصول الفقه، من قبيل «الطواف بالبيت صلاة»، أي أن الطواف في حُكم الصلاة، [أصول الفقه، المظفر، 3/ 224-225]؛ وعليه تكون الكلمة الطيبة لها ثواب الصدقة في حالة تعذّر إعطاء المال، وفي حال اجتماعها مع إعطاء المال فإن الثواب مضاعف؛ لاجتماع الحُسْنَيَين: الصدقة والكلم الطيب. لا خيل عندك تهديها ولا مال شرح. ويمكن أن نقول إن المنطق الحَسن مطلوب في الأحوال جميعها، سواء أَتَيَسّرت الصدقة بالمال أم لا، والمُتَحَصَّل من ذلك كله، أن هناك حالات بحسب اجتماع بذل المال مع المنطق الحسَن وافتراقهما: أ- أن يجتمع بذل المال مع المنطق الحسن، وهو الغاية. ب- أن يُبذل المال من دون منطق حسن (ولا سيِّئ)، وهذا جيد، لكنه قاصر من جهة.