أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فدمرناها تدميرا

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين ينكر ذلك من قيله ، ولا يجيزنا أمرنا ، بمعنى أكثرنا إلا بمد الألف من أمرنا. ويقول في قوله " مهرة مأمورة ": إنما قيل ذلك على الاتباع لمجيء مأبورة بعدها ، كما قيل: " ارجعن مأزورات غير مأجورات " فهمز مأزورات لهمز مأجورات ، وهي من وزرت إتباعا لبعض الكلام بعضا. وقرأ ذلك أبو عثمان ( أمرنا) بتشديد الميم ، بمعنى الإمارة. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الإسراء - الآية 16. [ ص: 404] حدثنا أحمد بن يوسف ، قال: ثنا القاسم ، قال: ثنا هشيم عن عوف ، عن أبي عثمان النهدي أنه قرأ ( أمرنا) مشددة من الإمارة. وقد تأول هذا الكلام على هذا التأويل ، جماعة من أهل التأويل. حدثنا علي بن داود ، قال: ثنا أبو صالح ، قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله: ( أمرنا مترفيها) يقول: سلطنا أشرارها فعصوا فيها ، فإذا فعلوا ذلك أهلكتهم بالعذاب ، وهو قوله ( وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها). حدثني الحرث ، قال: ثنا القاسم ، قال: سمعت الكسائي يحدث عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، أنه قرأها ( أمرنا) وقال: سلطنا. حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين ، قال: ثنى حجاج ، عن أبي حفص ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال: ( أمرنا) مثقلة: جعلنا عليها مترفيها: مستكبريها.

القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الإسراء - الآية 16

وليس من شأن الله أن يريد إهلاكهم قبل أن يأتوا بما يسببه ، ولا من الحكمة أن يسوقهم إلى ما يفضي إلى مؤاخذتهم ليحقق سبباً لإهلاكهم. وقرينة السياق واضحة في هذا ، فبنا أن نجعل الواو عاطفة فعل { أمرنا مترفيها} على { نبعث رسولاً} فإن الأفعال يعطف بعضها على بعض سواء اتحدت في اللوازم أم اختلفت ، فيكون أصل نظم الكلام هكذا: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ونأمر مترفي قرية بما نأمرهم به على لسان الرسول فيفسقوا عن أمرنا فيحق عليهم الوعيد فنهلكهم إذا أردنا إهلاكهم. أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فدمرناها تدميرا. فكانَ { وإذا أردنا أن نهلك قرية} شريطة لحصول الإهلاك ، أي ذلك بمشيئة الله ولا مكره له ، كم دلت عليه آيات كثيرة كقوله: { أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم} [ آل عمران: 127 128] وقوله: { أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم} [ الأعراف: 100] وقوله: { وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا} [ الإنسان: 28] وقوله: { عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد} [ الإسراء: 18]. فذُكر شريطة المشيئة مرتين. وإنما عدل عن نظم الكلام بهذا الأسلوب إلى الأسلوب الذي جاءت به الآية لإدماج التعريض بتهديد أهل مكة بأنهم معرضون لمثل هذا مما حل بأهل القرى التي كذبت رسل الله.

وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها | Islamic Pages

وصدق الله القائل: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25].

إعراب قوله تعالى: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول الآية 16 سورة الإسراء

ومن الآيات الدالة على هذا: قوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ). وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها | islamic pages. فقوله في هذه الآية ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ... ) الآية: لفظ عام ، في جميع المترفين ، من جميع القرى ، أن الرسل أمرتهم بطاعة الله فقالوا لهم: ( إنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) ، وتبجحوا بأموالهم وأولادهم ، والآيات بمثل ذلك كثيرة... وهذا القول الصحيح في الآية جارٍ على الأسلوب العربي المألوف ، من قولهم: " أمرتُه فعصاني " ، أي: أمرته بالطاعة فعصى ، وليس المعنى: أمرته بالعصيان ، كما لا يخفى. القول الثاني في الآية هو: أن الأمر في قوله ( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) أمرٌ كوني قدري ، أي: قدَّرنا عليهم ذلك ، وسخرناهم له ؛ لأن كلاًّ ميسرٌ لما خُلق له ، والأمر الكوني القدري كقوله ( وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحِ بِالْبَصَرِ) ، وقوله: ( فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ) ، وقوله ( أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً) ، وقوله ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ).

والمراد به في اصطلاح القرآن الخروج عما أمر الله به ، وتقدم عند قوله تعالى: { وما يضل به إلا الفاسقين} في سورة [ البقرة: 26]. إعراب قوله تعالى: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول الآية 16 سورة الإسراء. والقول} هو ما يبلغه الله إلى الناس من كلام بواسطة الرسل وهو قول الوعيد كما قال: { فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون} [ الصافات: 31]. والتدمير: هدم البناء وإزالة أثره ، وهو مستعار هنا للاستئصال إذ المقصود إهلاك أهلها ولو مع بقاء بنائهم كما في قوله: { واسأل القرية} [ يوسف: 82]. وتقدم التدمير عند قوله تعالى: { ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه} في سورة [ الأعراف: 137]. وتأكيد دمرناها بالمصدر مقصود منه الدلالة على عظم التدمير لا نفي احتمال المجاز.