والقى في الارض رواسي ان تميد بكم

ويعظِّمونَ شريعتَه، ويقفونَ عندَ حدودِه، ويمتثلونَ أوامرَه، ويجتنبونَ نواهيَه. وإذَا سمعوا آياتِه، خشعتْ قلوبُهم واقشعرتْ جلودُهم، وفاضتْ بالدمعِ أعينُهم؛ ولهجتْ ألسنتُهم بذكرِه وتسبيحِه وتكبيرِه وحمدِه، محبةً وإجلالاً وتعظيمًا لمولاهمْ وخالقهِم، قائلينَ بألسنتِهم: [رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ](آل عمران: 191). الباحث القرآني. وهؤلاءِ يعرفونَ قدرَ نعمةَ الإسلامِ، ويتلذَّذونَ بنعمةِ الإيمانِ، فيخضعونَ لهيبتِه، ويصبرونَ على طاعتِه، ويرضونَ بقضائِه وقدرِه، ويبذلونَ وسْعَهم للوصولِ إلى مرضاتِه، ويستصغرونَ أنفسَهم ويتهمونَها بالتقصيرِ والظلمِ، ويستقلونَ أعمالَهم في جانبِ نعمِه الكثيرةِ التي لا تُعدُّ ولا تُحصى. ويقدِّمونَ محابَّ ربِّهمْ سبحانَه وتعالى، ومحابَّ رسولِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، على جميعِ محبوباتِ أنفسِهم، ويُكثرونَ من ذكرِه تعالى وشكرِه والثناءِ عليه بمَا هو أهلُه، ويُحسنونَ الظنَّ به، ويتوكَّلونَ عليه، ويعتصمونَ بجنابِه، ويلجؤونَ إليهِ في جميعِ أحوالِهم، ويَدْعونَه رَغَبًا ورَهَبًا وهُم لهُ خاشعونَ. وهؤلاءِ هُم الفائزونَ برضاهِ ورضوانِه، ودخولِ جنَّتِه.

  1. تعظيم الله جل وعلا – خطبة الجمعة 22 – 5 – 1441هـ - الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
  2. الباحث القرآني
  3. إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة النحل - قوله تعالى وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا - الجزء رقم15
  4. من الإعجاز القرآني (الجبال وتوازن الأرض) - منتدى جامع الائمة الثقافي

تعظيم الله جل وعلا – خطبة الجمعة 22 – 5 – 1441هـ - الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

قوله تعالى: ﴿ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ﴾ (معناه وبلاغته في ضوء كلام العرب) جاء ذكر جَعْلِ الجبال أوتادًا في الأرض، وإلقائها رواسي فيها في آيات عديدة للقرآن الكريم؛ فقال الله تعالى: ﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [النحل: 15]، وقال: ﴿ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 31]. من الإعجاز القرآني (الجبال وتوازن الأرض) - منتدى جامع الائمة الثقافي. وستجد مثل هذه الإشارة حينما يعدِّد الله جلَّ شأنه نِعَمَهُ وكلماته، بشأن توفير كافة التسهيلات اللازمة لهذا المخلوق الحَسَنِ الجَهُول، الذي سوَّى خلقه فركَّبه في أحسن ما نتخيَّل من صورة مخلوق؛ فقال: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]. وفي هذه العُجالة نتحدث عن كلمة " الميد " التي أوردها القرآن الكريم بخصوص مَيْلِ الأرض وعُدُولِها؛ فقال ابن جرير الطبري في شرح هذه الكلمة: "والمَيْدُ هو الاضطراب والتكفُّؤ، يقال: مادتِ السفينة تميد ميدًا: إذا تكفَّأت بأهلها ومالت، ومنه الميد الذي يعتري راكب البحر، وهو الدوار" [1]. وقال العلامة جار الله الزمخشري: "أنْ تميد بكم: كراهةَ أنْ تميل بكم وتضطرب، والمائد: الذي يُدار به إذا ركب البحر" [2].

الباحث القرآني

ومن جملةِ شؤونِه: أن يُفرِّج كربًا، ويجبِر كسيرًا، ويُغنِيَ فقيرًا، ويُجيبَ دعوةً، قال عن نفسه: [وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ] (المؤمنون: 17). علمُه وسِعَ كلَّ شيءٍ، يعلمُ ما كانَ وما يكونُ وما لم يكنْ لو كانَ كيفَ يكونُ، لا تتحرَّكُ ذرَّةٌ فما فوقها إلا بإذنِه، ولا تسقطُ ورقةٌ إلا بعلمِه، لا تخفى عليه خافيةٌ، استوى عندَهُ السرُّ والعلانية، قال سبحانه: [سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ](الرعد: 10). يَسمعُ أصواتَ المخلوقين وهو على عرشِه، قالتْ عائشةُ رضي اللهُ عنها: الحمدُ للهِ الذي وسِعَ سمعُه الأصواتِ، قالتْ: لقد جاءتْ المُجادِلةُ إلى النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ تُكلِّمُه وأنا في ناحيةِ البيتِ ما أسمعُ ما تقولُ، فأنزلَ اللهُ: [قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا] [المجادلة: 1]. تعظيم الله جل وعلا – خطبة الجمعة 22 – 5 – 1441هـ - الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار. عَلِمَ ملائكتُه المقربونَ عظمتهُ فخافوهُ وعظَّموهُ وأذْعنُوا لأمرهِ وسبَّحوهُ، [وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ] (الأنبياء: 19، 20)، [لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ](الأنبياء: 27، 28).

إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة النحل - قوله تعالى وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا - الجزء رقم15

فهو اللهُ الذي [بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ] (المؤمنون:88)، وهو الله الذي [خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ](لقمان:10). وهو اللهُ الذي [يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا](فاطر: 41). وهو اللهُ الذي ذلَّت لعظمته جميعُ الموجوداتِ، وخضعتْ لعزتِه جميعُ الكائناتِ، فكلُّ شيءٍ مفتقرٌ إليهِ وهو غنيٌّ عنها [وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُون]. وهو العظيمُ سبحانَه الذي خَضَعَ كلُّ شيءٍ لأمرِه، ودانَ لحُكمِه وحِكْمتهِ، والكلُّ تحتَ سلطانِه وقهرِه، وهو اللهُ ذُو العظمةِ، فلا شيءَ أعظمَ مِنْهُ [وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ](البقرة: 255). مَلِكٌ يُدبِّرُ أمرَ عبادِه، يأمرُ وينهَى، ويُعطِي ويمنعْ، ويخفِضُ ويرفعُ، أوامرُه مُتعاقبةٌ على تعاقُبِ الأوقاتِ، نافذةٌ بحسبِ إرادتِه ومشيئتِه، فما شاءِ كانَ وما لم يشأْ لمْ يكنْ، [يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ](الرحمن: 29).

من الإعجاز القرآني (الجبال وتوازن الأرض) - منتدى جامع الائمة الثقافي

والتعريف في النجم تعريف الجنس ، والمقصود منه النجوم التي تعارفها الناس للاهتداء بها مثل القطب ، وتقدم في قوله تعالى وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في سورة الأنعام. [ ص: 123] وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في قوله تعالى هم يهتدون لمجرد تقوي الحكم ، إذ لا يسمح المقام بقصد القصر ، وإن تكلفه في الكشاف.

وقال ابن عباس ﴿بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ قال: لها عمد لا ترونها. * * * وقوله: ﴿وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ يقول: وجعل على ظهر الأرض رواسي، وهي ثوابت الجبال أن تميد بكم أن لا تميد بكم. يقول: أن لا تضطرب بكم، ولا تتحرّك يمنة ولا يسرة، ولكن تستقرّ بكم. كما:- ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة: ﴿وألْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ﴾: أي: جبالا ﴿أنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ أثبتها بالجبال، ولولا ذلك ما أقرّت عليها خلقا، وذلك كما قال الراجز: والمُهْرُ يأْبَى أنْ يَزَال مُلَهَّبا [[البيت من شواهد الفراء في (معاني القرآن الورقة ٢٥١). قال عند تفسير قوله تعالى: (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم): لئلا تميد بكم؛ و (أن) في هذا الموضع تكفي من (لا) كما قال الشاعر: والمهر يأتي أن يزل ملهبًا * معناه: يأبى أن لا يزال. اهـ. ]] بمعنى: لا يزال. وقوله: ﴿وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلّ دابَّةٍ﴾ يقول: وفرّق في الأرض من كلّ أنواع الدوابّ. وقيل: الدوابّ اسم لكلّ ما أكل وشرب، وهو عندي لكلّ ما دبّ على الأرض. وقوله: ﴿وأنزلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فأنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ يقول تعالى ذكره: وأنزلنا من السماء مطرا، فأنبتنا بذلك المطر في الأرض من كلّ زوج، يعني: من كل نوع من النبات ﴿كريم﴾ ، وهو الحسن النِّبتة.

وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون وعلامات وبالنجم هم يهتدون انتقال إلى الاستدلال والامتنان بما على سطح الأرض من المخلوقات العظيمة التي في وجودها لطف بالإنسان ، وهذه المخلوقات لما كانت مجعولة كالتكملة للأرض ، وموضوعة على ظاهر سطحها عبر عن خلقها ووضعها بالإلقاء الذي هو رمي شيء على الأرض ، ولعل خلقها كان متأخرا عن خلق الأرض ، إذ لعل الجبال انبثقت باضطرابات أرضية كالزلزال العظيم ثم حدثت الأنهار بتهاطل الأمطار ، وأما السبل والعلامات فتأخر وجودها ظاهر ، فصار خلق هذه الأربعة شبيها بإلقاء شيء في شيء بعد تمامه. ولعل أصل تكوين الجبال كان من شظايا رمت بها الكواكب فصادفت سطح الأرض ، كما أن الأمطار تهاطلت فكونت الأنهار; فيكون تشبيه حصول [ ص: 121] هذين بالإلقاء بينا ، وإطلاقه على وضع السبل والعلامات تغليب ، ومن إطلاق الإلقاء على الإعطاء ونحوه قوله تعالى أؤلقي الذكر عليه من بيننا. و ( رواسي) جمع راس ، وهو وصف من الرسو بفتح الراء وسكون السين ، ويقال بضم الراء والسين مشددة وتشديد الواو ، وهو الثبات والتمكن في المكان ، قال تعالى وقدور راسيات. ويطلق على الجبل ( راس) بمنزلة الوصف الغالب ، وجمعه على زنة فواعل على خلاف القياس ، وهو من النوادر مثل عواذل وفوارس ، وتقدم بعض الكلام عليه في أول الرعد.