صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا. صنع الله الذي أتقن كل شيء. أما بعد: فقد روى أبو داودَ بسند حسن من حديث الأشجِّ أشجِّ عبدِالقيس أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((إن فيك خَلَّتينِ يحبُّهما الله: الحِلم والأناة))، فقال: يا رسول الله، أنا أتخلَّقُ بهما، أم اللهُ جبَلني عليهما؟ قال: ((بل اللهُ جبَلك عليهما))، قال: الحمدُ لله الذي جبَلني على خَلَّتينِ يحبهما الله ورسولُه. جِبِلَّة فطَرها الله، وعناية أرادها الله، وتدبير مِن شأن الله، وصناعة أتقنها اللهُ جل في علاه: ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 88]. يقول ربنا سبحانه وهو يصِفُ لنا دقةَ تلك الصناعة في حكاية نبيِّ الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاةُ والسلام: ﴿ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طه: 38، 39]. من مِحنة إلى محنة، فاقذِفيه في التابوت، ثم في اليمِّ، ثم يصل إلى العدوِّ فرعون، لكن أيْقِني يا أم موسى أنه تحت العنايةِ التي عنوانها: (صنع الله).

  1. صنع الله

صنع الله

والذي نستفيده من هذه الأصول، والأسس، والآيات البيِّنات في الكون، والاكتشافات العلمية ثلاث فوائد: أولها: مطالعة أسماء الله وصفاته في الكون ليتضح أن الله حكيم مدبِّر خالق رازق، أحسن كل شيء خلقه، لا تجد في خلقه تفاوت ((صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ))، ((أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)). فكل شيء يدلك على الله.. انظر إلى جسمك.. انظر إلى حركاتك، وإلى كلماتك.. انظر إلى اندفاعاتك، ومشاعرك، وخواطرك، فأنت عالم من العوالم، وأنت كون، وفيك اختفى الكون الأكبر، فلماذا لا تتفكر في نفسك فتكون عبداً لله: ((وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ)). فأول فائدة لنا هي: مطالعة أسماء الله في الكون وصفاته.. صنع الله. فإذا رأينا الزهرة الحمراء تفكرنا في من صبغها ولوّنها وجمّلها. الفائدة الثانية: أن يتحول هذا الشعور وهذا الإدراك.. وهذا الفهم إلى إيمان. فلا يكفي أن تعرف أن من خلق الزهرة هو الله، ولكن لا تصلي ولا تزكي ولا تسبّح ولا تذكر الله؛ لأن المخترع الكافر يعرف أن هذا صنع الله لكنه ما آمن بالله. الفائدة الثالثة: أن تذكر الله بآياته، فتنظر إلى كتاب الكون الذي عرضه الله لك وتذكره سبحانه وتعالى. تنظر إلى الشجرة فتقول: سبحان الله!

إنّ قَلْبَ الزرافةِ يدفعُ في الدقيقة الواحدةِ الواحدة خمسةً وخمسين لتراً من الدم. قال الله تعالى: ﴿قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس:101]. فأيُّ شيءٍ وقعتْ عينُك عليه هو آيةٌ دالةٌ على عظمته، أيُّ شيءٍ تفحَّصْتَه، أيُّ شيءٍ درسته، أيُّ شيءٍ دقَّقْتَ فيه، إنما هو آيةٌ تدلُّ على أن الله هو الواحدُ الدَّيَّانُ، الواحدُ الأحدُ، الفردُ الصَّمَدُ. * * * * المصدر: كتاب آيات الله في الآفاق: د. محمد راتب النابلسي.